الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في القطع في العارية إذا جحدت

                                                                      4395 حدثنا الحسن بن علي ومخلد بن خالد المعنى قالا حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر قال مخلد عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن امرأة مخزومية كانت تستعير المتاع فتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها فقطعت يدها قال أبو داود رواه جويرية عن نافع عن ابن عمر أو عن صفية بنت أبي عبيد زاد فيه وأن النبي صلى الله عليه وسلم قام خطيبا فقال هل من امرأة تائبة إلى الله عز وجل ورسوله ثلاث مرات وتلك شاهدة فلم تقم ولم تتكلم ورواه ابن غنج عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد قال فيه فشهد عليها

                                                                      التالي السابق


                                                                      بصيغة المجهول ، أي فهل فيها القطع أم لا .

                                                                      ( أن امرأة مخزومية كانت . . . إلخ ) : وأخرجه مسلم عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها .

                                                                      وأخرجه البخاري ومسلم عن يونس عن الزهري به أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح إلى أن قال : ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها . وأخرجه الأئمة الستة عن الليث بن سعد عن الزهري به بهذا اللفظ . وأخرجه النسائي عن إسحاق بن راشد وإسماعيل بن أمية وابن عيينة وأيوب بن موسى كلهم عن الزهري به بهذا اللفظ ، ولفظ العارية ليست عند البخاري قاله عبد الحق في الجمع بين الصحيحين .

                                                                      وقال في أحكامه : قد اختلفت الرواية في قصة هذه المرأة ، والذين قالوا سرقت أكثر من الذين قالوا استعارت . انتهى .

                                                                      وأخرجه مسلم عن جابر " أن امرأة من بني مخزوم سرقت فأتي بها النبي صلى الله عليه وسلم فعاذت [ ص: 53 ] بأم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم : لو كانت فاطمة لقطعت يدها فقطعت انتهى . وتقدم بعض البيان في باب الحد يشفع فيه .

                                                                      قال الزيلعي : وذكر بعضهم أن معمر بن راشد تفرد بذكر العارية في هذا الحديث من بين سائر الرواة وأن الليث راوي السرقة تابعه عليها جماعة منهم يونس بن يزيد وأيوب بن موسى وسفيان بن عيينة وغيرهم فرووه عن الزهري كرواية الليث . وذكر أن بعضهم وافق معمرا في رواية العارية لكن لا يقاوم من ذكر ، فظهر أن ذكر العارية إنما كان تعريفا لها بخاص صفتها ، إذ كانت كثيرة الاستعارة حتى عرفت بذلك كما عرفت بأنها مخزومية ، واستمر بها هذا الصنيع حتى سرقت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعها .

                                                                      ومما يدل على صحة ذلك ما رواه ابن ماجه عن عائشة بنت مسعود بن الأسود عن أبيها قال : " لما سرقت المرأة تلك القطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظمنا ذلك ، وكانت امرأة من قريش ، فجئنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم نكلمه ، إلى أن قال : أتينا أسامة فقلنا : كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قام خطيبا فقال : ما إكثاركم علي في حد من حدود الله وقع على أمة من إماء الله الحديث ، ولكن يخالفه ما سيأتي عند المؤلف من رواية الليث عن يونس عن ابن شهاب قال : كان عروة يحدث ، فذكر الحديث .

                                                                      وقال الإمام الحافظ أبو محمد القاسم بن ثابت في كتابه غريب الحديث : عندي أن رواية معمر صحيحة لأنه حفظ ما لم يحفظ أصحابه ولموافقته حديث صفية بنت أبي عبيد ، فذكره ، والله أعلم .

                                                                      ( فقطعت يدها ) : فيه دليل على أنه يقطع جاحد العارية ، وإليه ذهب من لم يشترط في القطع أن يكون من حرز وهو أحمد وإسحاق وانتصر له ابن حزم وذهب الجمهور إلى عدم وجوب القطع لمن جحد العارية ، واستدلوا على ذلك بأن القرآن والسنة أوجبا القطع على السارق ، والجاحد للوديعة ليس بسارق ، ورد بأن الجحد داخل في اسم السرقة لأنه هو والسارق لا يمكن الاحتراز منهما بخلاف المختلس والمنتهب . كذا قال ابن القيم . ويجاب عن ذلك بأن الخائن لا يمكن الاحتراز عنه لأنه آخذ المال خفية مع إظهار النصح كما سلف ، وقد دل الدليل على أنه لا يقطع .

                                                                      وأجاب الجمهور عن هذا الحديث وعن مثله مما فيه ذكر الجحد دون السرقة بأن [ ص: 54 ] الجحد للعارية ، وإن كان مرويا من طريق عائشة وابن عمر وغيرهما لكن ورد التصريح في الصحيحين وغيرهما بذكر السرقة ، وقد سبق في رواية لأبي داود أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتقرر أن المذكورة قد وقع منها السرق ، فذكر جحد العارية لا يدل على أن القطع كان له فقط ، ويمكن أن يكون ذكر الجحد لقصد التعريف بحالها ، وأنها كانت مشتهرة بذلك الوصف والقطع كان للسرقة . كذا قال الخطابي وتبعه البيهقي والنووي وغيرهما .

                                                                      ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم في رواية عائشة المذكورة في باب الحد يشفع فيه : إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف إلخ ، فإن ذكر هذا عقب ذكر المرأة المذكورة يدل على أنه قد وقع منها السرق .

                                                                      قال الشوكاني : ويمكن أن يجاب عن هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم نزل ذلك الجحد منزلة السرق فيكون دليلا لمن قال إنه يصدق اسم السرق على جحد الوديعة . قال : ولا يخفى أن الظاهر من قوله في حديث ابن عمر بعد وصف القصة ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فقطعت يدها أن القطع كان لأجل ذلك الجحد ، ولا ينافي ذلك وصف المرأة في بعض الروايات بأنها سرقت فإنه يصدق على جاحد الوديعة بأنه سارق قال : فالحق قطع جاحد الوديعة . انتهى ملخصا .

                                                                      وقد سبق كلام النووي في هذه المسألة في الباب المذكور فتذكر ، وعندي الراجح قول الجمهور . والله تعالى أعلم بالصواب .

                                                                      ( عن ابن عمر أو عن صفية بنت أبي عبيد ) : قال في التقريب : صفية بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفية زوج ابن عمر ، قيل لها إدراك وأنكره الدارقطني ، وقال العجلي ثقة فهي من الثانية ( هل من امرأة تائبة إلى الله ورسوله ) : قال في فتح الودود : هذا يقتضي أن جحد العارية دون السرقة فيقبل فيها التوبة ( وتلك ) : أي المرأة المخزومية ( شاهدة ) : أي حاضرة ( ولم تكلم ) : بحذف إحدى التاءين وتمام الحديث على ما ذكره الإمام أبو محمد القاسم بن ثابت في كتابه غريب الحديث عن صفية بنت أبي عبيد أن امرأة كانت تستعير المتاع [ ص: 55 ] وتجحده ، فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الناس على المنبر والمرأة في المسجد ، فقال صلى الله عليه وسلم : هل من امرأة تائبة إلى الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم تقم تلك المرأة ولم تتكلم ، فقال صلى الله عليه وسلم قم يا فلان فاقطع يدها لتلك المرأة فقطعها .

                                                                      قال الإمام أبو محمد وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم له ما ليس لغيره فيمن عصاه ورغب عن أمره انتهى . ذكره الزيلعي ( رواه ابن غنج ) : بفتح المعجمة والنون بعدها جيم هو محمد بن عبد الرحمن بن غنج المدني نزيل مصر مقبول من السابعة كذا في التقريب .

                                                                      قال المنذري : قال البيهقي : والحديث الذي يروى عن نافع في هذه القصة كما روى معمر مختلف فيه عن نافع فقيل عنه عن ابن عمر أو عن صفية بنت أبي عبيد وقيل عنه عن صفية بنت أبي عبيد ، وحديث الليث عن الزهري أولى بالصحة لما ذكرنا من توابعه والله أعلم ويريد بحديث معمر هذا الذي في أول هذا الباب وقد تقدم أيضا ويريد بحديث الليث الذي تقدم وفيه التي سرقت ، ويريد بتوابعه الأحاديث التي جاءت مصرحا فيها بالسرقة وقد تقدم ذلك في باب الحد يشفع فيه والله أعلم .




                                                                      الخدمات العلمية