الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8680 ) مسألة : قال : ( وإذا دبر عبده ، ومات ، وله مال غائب ، أو دين في ذمة موسر أو معسر ، عتق من المدبر ثلثه ، وكلما اقتضي من دينه شيء ، أو حضر من ماله الغائب شيء ، عتق من المدبر مقدار ثلثه ، كذلك من يعتق الثلث حتى كله ) وجملة ذلك أن السيد إذا دبر عبده ، ومات ، وله مال سواه يفي بثلثي ماله ، إلا أنه غائب ، أو دين في ذمة إنسان ، لم يعتق جميع العبد ; لجواز أن يتلف الغائب ، أو يتعذر استيفاء الدين ، فيكون العبد جميع التركة ، وهو شريك الورثة فيها ، له ثلثها ، ولهم ثلثاها ، فلا يجوز أن يحصل على جميعها ، ولكنه يتنجز عتق ثلثه ، ويبقى ثلثاه موقوفين ; لأن ثلثه حر على كل حال ، لأن أسوأ الأحوال أن لا يحصل من سائر المال شيء ، فيكون العبد جميع التركة ، فيعتق ثلثه ، كما لو لم يكن له مال سواه ، وكلما اقتضي من الدين شيء ، أو حضر من الغائب شيء ، عتق من المدبر قدر ثلثه ، فإذا كانت قيمته مائة ، وقدم من الغائب مائة ، عتق ثلثه الثاني ، فإذا قدمت مائة أخرى ، عتق ثلثه الباقي .

                                                                                                                                            وإن بقي له دين بعد ذلك ، أو مال غائب ، لم يؤثر بقاؤه ; لأن الحاصل من المال يخرج المدبر كله من ثلثه . وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ، ولهم وجه آخر ، لا يعتق منه شيء ، حتى يستوفى من الدين شيء ، أو يقدم من الغائب شيء ، فيعتق من العبد قدر نصفه ; لأن الورثة لم يحصل لهم شيء ، والعبد شريكهم ، فلا يجوز أن يحصل على شيء ، ما لم يحصل لهم مثلاه . فإن تلف الغائب ، ويئس من استيفاء الدين ، عتق ثلثه حينئذ ، وملكوا ثلثيه ; لأن العبد صار جميع التركة . وهذا لا يصح ; لأن ثلث العبد خارج من الثلث يقينا ، وإنما الشك في الزيادة عليه ، وما خرج من الثلث يقينا ، يجب أن يكون حرا يقينا ، لأن التدبير صحيح ، ولا خلاف في أنه ينفذ في الثلث . ووقف هذا الثلث عن العتق - مع يقين حصول العتق فيه ، ووجود المقتضي له ، وعدم الفائدة في وقفه - لا معنى له .

                                                                                                                                            وكون الورثة لم يحصل لهم شيء ، لمعنى اختص بهم ، لا يوجب أن لا يحصل [ ص: 328 ] له شيء مع عدم ذلك المعنى فيه ، ألا ترى أنه لو أبرأه غريمه من دينه ، وهو جميع التركة ، فإنه يبرأ من ثلثه ولم يحصل للورثة شيء ؟

                                                                                                                                            ولو كان الدين مؤجلا ، فأبرأه منه ، برئ من ثلثه في الحال ، وتأخر استيفاء الثلثين إلى الأجل . ولو كان الغريم معسرا ، برئ من ثلثه في الحال ، وتأخر الباقي إلى الميسرة . ولأن تأخير عتق الثلث لا فائدة للورثة فيه ، ويفوت نفعه للمدبر ، فينبغي أن لا يثبت . فإذا ثبت هذا ، فإن العبد إذا عتق كله ، بقدوم الغائب ، أو استيفاء الدين ، تبينا أنه كان حرا حين الموت ، فيكون كسبه له ; لأنه إنما عتق بالتدبير ، ووجود الشرط الذي علق عليه السيد حريته ، وهو الموت ، وإنما وقفناه للشك في خروجه من الثلث ، فإذا زال الشك ، تبينا أنه كان حاصلا قبل زوال الشك . وإن تلف المال ، تبينا أنه كان ثلثاه رقيقا ، ولم يعتق منه سوى ثلثه . وإن تلف بعض المال ، رق من المدبر ما زاد على قدر ثلث الحاصل من المال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية