الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 350 ] 764 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج .

4862 - حدثنا أبو القاسم هشام بن محمد بن قرة بن أبي خليفة الرعيني ، قال : حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي ، قال :

حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا شعيب بن الليث بن سعد ، قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر الجهني : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج .

[ ص: 351 ]

4863 - حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة الدمشقي ، عن زهير بن محمد ، قال : أخبرني ابن جريج ، عن يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير حدثه ، عن عقبة بن عامر الجهني ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، ولم يذكر في إسناده بين ابن جريج وبين يزيد بن أبي حبيب أحدا .

قال أبو جعفر : فنظرنا هل سمعه ابن جريج من يزيد ، أو أخذه عن غيره عنه ؟

4864 - فوجدنا عبد الملك بن مروان الرقي قد حدثنا ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، قال : حدثني سعيد بن أيوب ، هكذا أملاه علينا ، وإنما هو ابن أبي أيوب ، عن يزيد بن أبي حبيب : أن أبا الخير حدثه ، عن عقبة بن عامر الجهني ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : إن أحق [ ص: 352 ] الشروط أن يوفى بها ما استحللتم به الفروج .

فوقفنا بذلك على أن ابن جريج إنما أخذ هذا الحديث ، عن سعيد بن أبي أيوب ، عن يزيد .

ثم تأملنا متن هذا الحديث لنقف على المراد به إن شاء الله ، فوجدنا الله - عز وجل - قد قال في كتابه : وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ، وقال : وعاشروهن بالمعروف ، وقال : فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ، حضا منه لهم على إمساكهن لما عسى أن يكون قد علمه - عز وجل - لهم في ذلك من الخيرة فيما يفعلونه من ذلك .

ثم قال : وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا ، فجعل أخذهم إياه منهن من حيث لا ينبغي أخذهم إياه منهن بهتانا وإثما مبينا .

ثم قال : وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، وكان الإفضاء المذكور في هذه الآية هو الجماع ، الذي كان بينهم ، والميثاق المذكور فيها هو العقد الذي كان فيه إحلالهن فروجهن لمن تزوجهن .

[ ص: 353 ] وقال الله - عز وجل - على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .

4865 - ما قد حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا يونس بن محمد ، قال : حدثنا حسين بن عازب بن شبيب بن غرقدة أبو غرقد ، عن شبيب بن غرقدة ، عن سليمان بن عمرو - وهو ابن الأحوص الأزدي - عن عمرو بن الأحوص ، قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، فقال في خطبته : ألا واتقوا الله - عز وجل - في النساء ، فإنما هن عندكم عوان ، أخذتموهن بأمانة الله - عز وجل - واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، لكم عليهن حق ، ولهن عليكم حق ، ومن حقكم عليهن أن لا يأذن في بيتكم إلا بإذنكم ، ولا يوطئن فرشكم من تكرهون ، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ، وإن من حقهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف .

[ ص: 354 ] قال أبو جعفر : فكان عقد التزويج يوجب هذه الأشياء المذكورات فيما ذكرنا للزوجات على الأزواج بعقد التزويجات اللاتي يعقدونها بينهم ، وكانت بذلك مشترطات من الله - عز وجل - للزوجات على الأزواج ، فكانت أحق ما وفي به ; لأن ما يشترطه الآدميون بعضهم لبعض كان واجبا على من شرطه منهم الوفاء به لمن اشترطه له على نفسه ، وإذا كان ذلك كذلك فيما اشترطه بعضهم لبعض كان ما اشترطه الله - عز وجل - لبعضهم على بعض أحق بالوفاء به مما سواه مما يشترطه بعضهم لبعض ، ولا سيما ما قد جعل في انتهاك حرمته من العقوبات ما قد جعل من النكال ، ومن الحدود التي في بعضها فوات الأنفس ، وما كان كذلك كان معقولا أن في الأشياء التي ترفع ذلك - وهي العقوبة - التي معها إباحة ذلك ، ووصف الله - عز وجل - ما قد جعله سببا له بقوله : وجعل بينكم مودة ورحمة ، وما كان تكون به المودة والرحمة مع علو رتبتهما ضدا لما قابله من العقوبة بالنكال ، وما سواه مما ذكرنا ، وأحق الأشياء بذوي الألباب اختيار ما ذكرنا من الأشياء المحمودات على أضدادها من الأشياء المذمومات ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية