الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فإن ؛ ولما كان المراد مجرد الاطلاع؛ بنى للمفعول قوله: عثر ؛ أي: اطلع مطلع؛ بقصد؛ أو بغير قصد; قال البغوي : وأصله الوقوع على الشيء؛ أي: من "عثرة الرجل"؛ على أنهما ؛ أي: الشاهدين إن أريد بهما الحقيقة؛ أو الوصيين؛ استحقا إثما ؛ أي: بسبب شيء خانا فيه من أمر الشهادة؛ فآخران ؛ أي: من الرجال الأقرباء للميت؛ يقومان مقامهما ؛ أي: ليفعلا؛ حيث اشتدت الريبة من الإقسام عند مطلق الريبة؛ ما فعلا؛ "من الذين استحق"؛ أي: طلب وقوع الحق بشهادة من شهد عليهم ؛ هذا على قراءة الجماعة؛ وعلى قراءة حفص بالبناء للفاعل؛ المعنى: وجد وقوع الحق عليهم؛ وهم أهل الميت وعشيرته.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان كأنه قيل: ما منزلة هذين الآخرين من الميت؟ فقيل: الأوليان ؛ أي: الأحقان بالشهادة؛ الأقربان إليه؛ العارفان بتواطن أمره؛ وعلى قراءة أبي بكر؛ وحمزة ؛ بالجمع؛ كأنه قيل: هما من الأولين؛ أي: في الذكر؛ وهم أهل الميت؛ فهو نعت لـ "الذين استحق"؛ فيقسمان ؛ أي: هذان الآخران؛ بالله ؛ أي: الملك الذي لا يقسم إلا به؛ لما له من كمال العلم؛ وشمول القدرة؛ لشهادتنا ؛ أي: بما يخالف شهادة الحاضرين للواقعة؛ أحق من شهادتهما ؛ أي: أثبت؛ فإن تلك إنما ثباتها في الظاهر؛ وشهادتنا ثابتة في نفس الأمر؛ وساعدها الظاهر بما عثر عليه من الريبة؛ [ ص: 333 ] وما اعتدينا ؛ أي: تعمدنا في يميننا مجاوزة الحق؛ إنا إذا ؛ أي: إذا وقع منا اعتداء؛ لمن الظالمين ؛ أي: الواضعين الشيء في غير موضعه؛ كمن يمشي في الظلام؛ وهذا إشارة إلى أنهم على بصيرة ونور مما شهدوا به؛ وذلك أنه لما وجد الإناء الذي فقده أهل الميت؛ وحلف الداريان بسببه أنهما ما خانا؛ طالبوهما؛ فقالا: كنا اشتريناه منه؛ فقالوا: ألم نقل لكما: هل باع صاحبنا شيئا؟ فقلتما: لا؟ فقالا: لم يكن عندنا بينة؛ فكرهنا أن نقر لكم؛ فرفعوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فأمر فقام اثنان من أقارب الميت؛ فحلفا على الإناء؛ فدفعه النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهما؛ لأن الوصيين ادعيا على الميت البيع؛ فصار اليمين في جانب الورثة؛ لأنهم أنكروا؛ وسمى أيمان الفريقين شهادة؛ كما سميت أيمان المتلاعنين شهادة - نبه على ذلك الشافعي ؛ وكان ذلك لما في البابين من مزيد التأكيد.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية