الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          مأق

                                                          مأق : المأقة : الحقد . والمأقة والمأق ، مهموز : ما يأخذ الصبي بعد البكاء ، مئق يمأق مأقا ، فهو مئق وامتأق مثله . والمأقة ، بالتحريك : شبه الفواق يأخذ الإنسان عند البكاء والنشيج كأنه نفس يقلعه من صدره ، وروى ابن القطاع المأقة بالتحريك : شدة الغيظ والغضب ; وشاهد المأقة ، بسكون الهمزة ، قول النابغة الجعدي :


                                                          وخصمي ضرار ذوي مأقة متى يدن رسلهما يشعب

                                                          فمأقة على هذا ومأقة مثل رحمة ورحمة ، وأما التأقة - وهي شدة الغضب - فذكر أبو عمرو أنها بالتحريك . وقال اللحياني : مئقت المرأة مأقة إذا أخذها شبه الفواق عند البكاء قبل أن تبكي . ومئق الرجل : كاد يبكي من شدة الغيظ أو بكى ، وقيل : بكى واحتد . وأمأق إمآقا : دخل في المأقة ، كما تقول : أكأب دخل في الكأبة . وامتأق إليه بالبكاء : أجهش إليه به . الأصمعي : امتأق غضبه امتئاقا إذا اشتد . وقدم فلان علينا فامتأقنا إليه : وهو شبه التباكي إليه لطول الغيبة . ابن السكيت : المأق شدة البكاء . وقالت أم تأبط شرا تؤبن ولدها ما أبته مئقا أي باكيا ; وأنشد لرؤبة :


                                                          كأنما عولتها بعد التأق     عولة ثكلى ، ولولت بعد المأق

                                                          الليث : المؤق من الأرض والجمع الأمآق النواحي الغامضة من أطرافها ; وأنشد :


                                                          تفضي إلى نازحة الأمآق

                                                          وقال غيره : المأقة الأنفة وشدة الغضب والحمية . والإمآق : نكث العهد من الأنفة . وفي كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لبعض الوفود من اليمانيين : ما لم تضمروا الإماق وتأكلوا الرماق ; ترك الهمز من الإمآق ليوازن به الرماق ، يقول : لكم الوفاء بما كتبت لكم ما لم تأتوا بالمأقة فتغدروا وتنكثوا وتقطعوا رباق العهد الذي في أعناقكم . وفي الصحاح : يعني الغيظ والبكاء مما يلزمكم من الصدقة فأطلقه على النكث والغدر لأنهما من نتائج الأنفة والحمية أن تسمعوا وتطيعوا ; قال الزمخشري : وأوجه من هذا أن يكون الإماق مصدر أماق وهو أفعل من الموق بمعنى الحمق ، والمراد إضمار الكفر والعمل على ترك الاستبصار في دين الله تعالى . أبو زيد : مأق الطعام والحمق إذا رخص ، وفي المثل : أنت تئق وأنا مئق فكيف نتفق ؟ وقد تقدم ذكره في ترجمة تأق ، وهو مثل يضرب في سوء الاتفاق والمعاشرة . ومؤق العين ومؤقها ومؤقيها ومأقيها : مؤخرها وقيل مقدمها ، وجمع المؤق والموق والمأق آماق ، وجمع المؤقي والمأقي مآق على القياس ، وفي وزن هذه الكلمة وتصاريفها وضروب جمعها تعليل دقيق . وموقئ العين وماقئها : مؤخرها وقيل مقدمها . أبو الهيثم : في حرف العين الذي يلي الأنف لغات خمس : مؤق ومأق ، [ ص: 8 ] مهموزان ، ويجمعان أمآقا ; وأنشد ابن بري لشاعر :


                                                          فارقت ليلى ضلة     فندمت عند فراقها
                                                          فالعين تذري دمعها     كالدر من أمآقها

                                                          وقد يترك همزها فيقال : موق وماق ، ويجمعان أمواقا إلا في لغة من قلب فقال آماق ; وأنشد ابن بري للخنساء :


                                                          ترى آماقها الدهر تدمع



                                                          ويقال : مؤق على مفعل في وزن مؤب ، ويجمع هذا مآقي ; وأنشد لحسان :


                                                          ما بال عينك لا تنام ، كأنما     كحلت مآقيها بكحل الإثمد ؟

                                                          وقال آخر :


                                                          والخيل تطعن شزرا في مآقيها



                                                          وقال حميد الأرقط :


                                                          كأنما عيناه في وقبي حجر     بين مآق لم تخرق بالإبر

                                                          وقال معقر في مفرده :


                                                          ومأقي عينها حذل نطوف

                                                          وقال مزاحم العقيلي في تثنيته :


                                                          أتحسبها تصوب مأقييها ؟     غلبتك ، والسماء وما بناها

                                                          ويروى :


                                                          أتزعمها يصوب ماقياها



                                                          ويقال : هذا ماقي العين على مثال قاضي البلدة ، ويهمز فيقال مأقي وليس لهذا نظير في كلام العرب فيما قال نصير النحوي ; لأن ألف كل فاعل من بنات الأربعة مثل داع وقاض ورام وعال لا يهمز ، وحكي الهمز في مأقي خاصة . الفراء في باب مفعل : ما كان من ذوات الياء والواو من دعوت وقضيت ، فالمفعل فيه مفتوح ; اسما كان أو مصدرا ، إلا المأقي من العين فإن العرب كسرت هذا الحرف ; قال : وروي عن بعضهم أنه قال في مأوى الإبل مأوي ، فهذان نادران لا يقاس عليهما . اللحياني : القلب في مأق فيمن لغته مأق ومؤق أمق العين ، والجمع آماق ، وهي في الأصل أمآق فقلبت ، فلما وحدوا قالوا أمق لأنهم وجدوه في الجمع كذلك ; قال : ومن قال مأقي جعله مواقي ; وأنشد :


                                                          كأن اصطفاق المأقيين بطرفها     نثير جمان ، أخطأ السلك ناظمه

                                                          وفي الحديث : أنه كان يمسح المأقيين ، وهي تثنية المأقي ; وقال الشاعر :


                                                          فظل خليلي مستكينا كأنه     قذى ، في مواقي مقلتيه يقلقل

                                                          جمع ماقي ; وقالت الخنساء في مفرده :


                                                          ما إن يجف لها من عبرة ماقي



                                                          وقال الليث : مؤق العين مؤخره ومأقها مقدمها ; رواه عن أبي الدقيش قال : وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يكتحل من قبل مؤقه مرة ومن قبل مأقه مرة ، يعني مقدم العين ومؤخرها . قال الزهري : وأهل اللغة مجمعون على أن المؤق والمأق حرف العين الذي يلي الأنف وأن الذي يلي الصدغ يقال له اللحاظ ، والحديث الذي استشهد به غير معروف . الجوهري : مؤق العين طرفها مما يلي الأنف ، ولحاظها طرفها الذي يلي الأذن ، والجمع آماق وأمآق أيضا مثل آبار وأبآر . ومأقي العين : لغة في مؤق العين ، وهو فعلي وليس بمفعل لأن الميم من نفس الكلمة ، وإنما زيد في آخره الياء للإلحاق فلم يجدوا له نظيرا يلحقونه به ; لأن فعلي بكسر اللام نادر لا أخت لها فألحق بمفعل ، ولهذا جمعوه على مآق على التوهم كما جمعوا مسيل الماء أمسلة ومسلانا وجمعوا المصير مصرانا ، تشبيها لهما بفعيل على التوهم . قال ابن السكيت : ليس في ذوات الأربعة مفعل بكسر العين إلا حرفان : مأقي العين ومأوي الإبل ; قال الفراء : سمعتهما والكلام كله مفعل ، بالفتح ، نحو : رميته مرمى ودعوته مدعى وغزوته مغزى ; قال : وظاهر هذا القول إن لم يتأول على ما ذكرناه غلط ، وقال ابن بري عند قوله : وإنما زيد في آخره الياء للإلحاق ; قال : الياء في مأقي العين زائدة لغير إلحاق كزيادة الواو في عرقوة وترقوة ، وجمعها مآق على فعال كعراق وتراق ، ولا حاجة إلى تشبيه مأقي العين بمفعل في جمعه كما ذكر في قوله ; فلهذا جمعوه على مآق على التوهم لما قدمت ذكره ، فيكون مأق بمنزلة عرق جمع عرقوة ، وكما أن الياء في عرقي ليست للإلحاق كذلك الياء في مأقي ليست للإلحاق ، وقد يمكن أن تكون الياء في مأقي بدلا من واو بمنزلة عرق ، والأصل عرقو ، فانقلبت الواو ياء لتطرفها وانضمام ما قبلها ، وقال أبو علي : قلبت ياء لما بنيت الكلمة على التذكير ، وقال ابن بري أيضا بعدما حكاه الجوهري عن ابن السكيت : إنه ليس في ذوات الأربعة مفعل ، بكسر العين ، إلا حرفان : مأقي العين ومأوي الإبل ; قال : هذا وهم من ابن السكيت لأنه قد ثبت كون الميم أصلا في قولهم مؤق فيكون وزنها فعلي على ما تقدم ، ونظير مأقي معدي فيمن جعله من معد أي أبعد ووزنه فعلي . وقال ابن بري : يقال في المؤق مؤق ومأق ، وتثبت الياء فيهما مع الإضافة والألف واللام ; قال أبو علي : وأما مؤقي فالياء فيه للإلحاق ببرثن ، وأصله مؤقو بزيادة الواو للإلحاق كعنصوة إلا أنها قلبت كما قلبت في أدل وأما مأقي العين فوزنه فعلي ، زيدت الياء فيه لغير إلحاق كما زيدت الواو في ترقوة ، وقد يحتمل أن تكون الياء فيه منقلبة عن الواو فتكون للإلحاق بالواو ، فيكون وزنه في الأصل فعلو كترقو ، إلا أن الواو قلبت ياء لما بنيت الكلمة على التذكير ، انقعر كلام أبي علي . قال ابن بري : وماقئ على فاعل جمعه مواقئ وتثنيته ماقئان وأنشد أبو زيد :


                                                          يا من لعين لم تذق تغميضا     وماقئين اكتحلا مضيضا

                                                          قال أبو علي : من قال ماق فالأصل ماقئ ووزنه فالع ، وكذلك جمعه مواق ووزنه فوالع ، فأخرت الهمزة وقلبت ياء ، والدليل على ذلك ما حكي عن أبي زيد أن قوما يحققون الهمزة فيقولون ماقئ العين . وقال اللحياني : يقال مؤق وأمواق وموق أيضا بغير همز وجمعه مواق ; قال : وسمعت موقئ وجمعه مواقئ وأمق ، وجمعه آماق ; قال الشيخ : ويقال : أمق مقلوب وأصله : مؤق وآماق [ ص: 9 ] على القلب من آمآق ، قال : فهذه إحدى عشرة لفظة على هذا الترتيب : مؤق ومأق ومؤق ومأق وماق وماقئ وموق وماق وموق وموقئ وأمق .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية