الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 384 ] 770 - باب بيان مشكل ما روي فيما كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشهر الحرم من غزو لأعدائه ، أو ترك لذلك حتى تنقضي .

4879 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، قال : حدثنا ليث بن سعد ، قال : حدثنا أبو الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام ، يحسبه أبو الوليد ، قال : إلا أن يغزى ، فإذا حضر قام حتى ينسلخ .

4880 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا المقدمي ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : حدثني الحضرمي ، عن أبي السوار ، عن جندب بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رهطا ، وبعث عليهم [ ص: 385 ] أبا عبيدة ، أو عبيدة بن الحارث رضي الله عنهما ، فلما مضى لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وبعث عبد الله بن جحش وكتب له كتابا ، وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا ، وقال : لا تكرهن أحدا من أصحابك على المسير ، فلما بلغ المكان قرأ الكتاب فاسترجع ، وقال : سمعا وطاعة لله - عز وجل - ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، فخبرهم الخبر ، وقرأ عليهم الكتاب ، فرجع منهم رجلان ومضى بقيتهم ، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب ، أو من جمادى ، فقال المشركون للمسلمين : قتلتم في الشهر الحرام ، فأنزل الله - عز وجل - : يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ، وقال المشركون : إن لم يكن وزر لم يكن لهم أجر ، فأنزل الله : إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله إلى آخر الآية .

[ ص: 386 ]

4881 - وحدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشي ، قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، قال : سمعت أبي ، قال : حدثنا الحضرمي ، عن أبي السوار يحدثه أبو السوار ، عن جندب بن عبد [ ص: 387 ] الله البجلي ، ثم ذكر مثله سواء .

فقال قائل : ففي هذا الحديث ، تحريم القتال في الشهر الحرام لمن لم يقاتل وأنتم تروون عن غير واحد من المتقدمين خلاف ذلك ، وتتابعونهم عليه .

وذكر ما قد حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني مخرمة بن بكير ، عن أبيه ، عن ابن المسيب ، واستفتيته هل يصلح للمسلمين أن يقاتلوا الكفار في الشهر الحرام ؟ فقال ابن المسيب : نعم ، قال بكير : وقال ذلك سليمان بن يسار .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل - وعونه : أن ذلك الحكم منسوخ بما نزل في سورة براءة .

كما قد حدثنا علي بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ، قال : حد الله - عز وجل - للذين عاهدوا رسوله صلى الله عليه وسلم أربعة [ ص: 388 ] أشهر يسيحون فيها حيث شاؤوا ، وحد لمن ليس له عهد انسلاخ الأشهر الحرم من يوم النحر إلى انسلاخ المحرم خمسين ليلة فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ، فإذا انسلخ الأشهر الحرم أمره أن يضع السيف فيمن عاهد إن لم يدخلوا في الإسلام ، ونقض ما سمى لهم من العهد والميثاق ، وأذهب الميقات وأذهب الشرط الأول ، ثم قال : إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ، يعني أهل مكة فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين ، وقوله : وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة ، قوله : إلا : القرابة ، والعهد : الذمة ، فلما نزلت براءة انتقضت العهود وقاتل المشركين حيث وجدهم ، وقعد لهم كل مرصد حتى دخلوا في الإسلام فلم يؤو به أحد من العرب بعد براءة .

[ ص: 389 ] فدل هذا الحديث على أن العهود كلها انقطعت بما تلونا في سورة براءة ، وحل القتال في الزمان كله ، وحملنا على قبول رواية علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس وإن كان لم يلقه ; لأنها في الحقيقة عنه عن مجاهد وعكرمة ، عن ابن عباس .

ولقد حدثني علي بن الحسين القاضي ، قال : سمعت الحسين بن عبد الرحمن بن فهد يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول بمصر : كتاب معاوية بن صالح في التأويل لو دخل رجل إلى مصر فكتبه ، ثم انصرف به ، ما رأيت رجليه ذهبت باطلا ، والله - عز وجل - نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية