الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 13 ] متع

                                                          متع : متع النبيذ يمتع متوعا : اشتدت حمرته . ونبيذ ماتع أي شديد الحمرة . ومتع الحبل : اشتد . وحبل ماتع : جيد الفتل . ويقال للجبل الطويل : ماتع ، ومنه حديث كعب والدجال : يسخر معه جبل ماتع خلاطه ثريد أي طويل شاهق . ومتع الرجل ومتع : جاد وظرف ، وقيل : كل ما جاد فقد متع ، وهو ماتع . والماتع من كل شيء : البالغ في الجودة الغاية في بابه ، وأنشد :


                                                          خذه فقد أعطيته جيدا قد أحكمت صنعته ماتعا

                                                          وقد ذكر الله تعالى المتاع والتمتع والاستمتاع والتمتيع في مواضع من كتابه ، ومعانيها وإن اختلفت راجعة إلى أصل واحد . قال الأزهري : فأما المتاع في الأصل فكل شيء ينتفع به ويتبلغ به ويتزود والفناء يأتي عليه في الدنيا . والمتعة والمتعة : العمرة إلى الحج ، وقد تمتع واستمتع . وقوله تعالى : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج صورة المستمتع بالعمرة إلى الحج أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج فإذا أحرم بالعمرة بعد إهلاله شوالا فقد صار متمتعا بالعمرة إلى الحج ، وسمي متمتعا بالعمرة إلى الحج لأنه إذا قدم مكة وطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة حل من عمرته وحلق رأسه وذبح نسكه الواجب عليه لتمتعه ، وحل له كل شيء كان حرم عليه في إحرامه من النساء والطيب ، ثم ينشئ بعد ذلك إحراما جديدا للحج وقت نهوضه إلى منى أو قبل ذلك من غير أن يجب عليه الرجوع إلى الميقات الذي أنشأ منه عمرته ، فذلك تمتعه بالعمرة إلى الحج أي انتفاعه وتبلغه بما انتفع به من حلاق وطيب وتنظف وقضاء تفث وإلمام بأهله ، إن كانت معه ، وكل هذه الأشياء كانت محرمة عليه فأبيح له أن يحل وينتفع بإحلال هذه الأشياء كلها مع ما سقط عنه من الرجوع إلى الميقات والإحرام منه بالحج ، فيكون قد تمتع بالعمرة في أيام الحج أي انتفع ; لأنهم كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج فأجازها الإسلام ، ومن هاهنا قال الشافعي : إن المتمتع أخف حالا من القارن فافهمه ، وروي عن ابن عمر قال : من اعتمر في أشهر الحج في شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة قبل الحج فقد استمتع . والمتعة : التمتع بالمرأة لا تريد إدامتها لنفسك ، ومتعة التزويج بمكة منه ، وأما قول الله - عز وجل - في سورة النساء بعقب ما حرم من النساء فقال : وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين - أي عاقدي النكاح الحلال غير زناة - فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ، فإن الزجاج ذكر أن هذه آية غلط فيها قوم غلطا عظيما لجهلهم باللغة ، وذلك أنهم ذهبوا إلى قوله فما استمتعتم به منهن من المتعة التي قد أجمع أهل العلم أنها حرام ، وإنما معنى فما استمتعتم به منهن ، فما نكحتم منهن على الشريطة التي جرى في الآية أنه الإحصان تبتغوا بأموالكم محصنين أي عاقدين التزويج أي فما استمتعتم به منهن على عقد التزويج الذي جرى ذكره فآتوهن أجورهن فريضة أي مهورهن ، فإن استمتع بالدخول بها آتى المهر تاما ، وإن استمتع بعقد النكاح آتى نصف المهر ، قال الأزهري : المتاع في اللغة كل ما انتفع به فهو متاع ، وقوله تعالى : ومتعوهن على الموسع قدره ، ليس بمعنى زودوهن المتع ، إنما معناه أعطوهن ما يستمتعن ، وكذلك قوله : وللمطلقات متاع بالمعروف ، قال : ومن زعم أن قوله فما استمتعتم به منهن التي هي الشرط في التمتع الذي يفعله الرافضة ، فقد أخطأ خطأ عظيما ; لأن الآية واضحة بينة ، قال : فإن احتج محتج من الروافض بما يروى عن ابن عباس أنه كان يراها حلالا وأنه كان يقرأها فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ، فالثابت عندنا أن ابن عباس كان يراها حلالا ، ثم لما وقف على نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - رجع عن إحلالها ، قال عطاء : سمعت ابن عباس يقول : ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فلولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا أحد إلا شفى والله ، ولكأني أسمع قوله : إلا شفى ، عطاء القائل ، قال عطاء : فهي التي في سورة النساء فما استمتعتم به منهن إلى كذا وكذا من الأجل على كذا وكذا شيئا مسمى ، فإن بدا لهما أن يتراضيا بعد الأجل وإن تفرقا فهم وليس بنكاح ، قال الأزهري : وهذا حديث صحيح وهو الذي يبين أن ابن عباس صح له نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المتعة الشرطية وأنه رجع عن إحلالها إلى تحريمها ، وقوله إلا شفى أي إلا أن يشفي أي يشرف على الزنا ولا يواقعه ، أقام الاسم وهو الشفى مقام المصدر الحقيقي ، وهو الإشفاء على الشيء ، وحرف كل شيء شفاه ، ومنه قوله تعالى : على شفا جرف هار ، وأشفى على الهلاك إذا أشرف عليه ، وإنما بينت هذا البيان لئلا يغر بعض الرافضة غرا من المسلمين فيحل له ما حرمه الله - عز وجل - على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإن النهي عن المتعة الشرطية صح من جهات لو لم يكن فيه غير ما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ونهيه ابن عباس عنها لكان كافيا ، وهي المتعة كانت ينتفع بها إلى أمد معلوم ، وقد كان مباحا في أول الإسلام ثم حرم ، وهو الآن جائز عند الشيعة ، ومتع النهار يمتع متوعا : ارتفع وبلغ غاية ارتفاعه قبل الزوال ، ومنه قول الشاعر :


                                                          وأدركنا بها حكم بن عمرو     وقد متع النهار بنا فزالا

                                                          وقيل : ارتفع وطال ، وأنشد ابن بري قول سويد بن أبي كاهل :


                                                          يسبح الآل على أعلامها     وعلى البيد ، إذا اليوم متع

                                                          ومتعت الضحى متوعا ترجلت وبلغت الغاية وذلك إلى أول الضحى . وفي حديث ابن عباس : أنه كان يفتي الناس حتى إذا متع الضحى وسئم ، متع النهار : طال وامتد وتعالى ، ومنه حديث مالك بن أوس : بينا أنا جالس في أهلي حين متع النهار إذا رسول عمر - رضي الله عنه - فانطلقت إليه . ومتع السراب متوعا : ارتفع في أول النهار ، وقول جرير :


                                                          ومنا ، غداة الروع ، فتيان نجدة     إذا متعت بعد الأكف الأشاجع

                                                          أي ارتفعت من قولك متع النهار والآل ، ورواه ابن الأعرابي متعت ولم يفسره ، وقيل قوله : إذا متعت أي إذا احمرت الأكف والأشاجع من الدم . ومتعة المرأة : ما وصلت به بعد الطلاق ، وقد متعها . قال الأزهري : وأما قوله تعالى : وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ، وقال في موضع آخر : لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين [ ص: 14 ] قال الأزهري : وهذا التمتيع الذي ذكره الله - عز وجل - للمطلقات على وجهين : أحدهما واجب لا يسعه تركه ، والآخر غير واجب يستحب له فعله ; فالواجب للمطلقة التي لم يكن زوجها حين تزوجها سمى لها صداقا ولم يكن دخل بها حتى طلقها ، فعليه أن يمتعها بما عز وهان من متاع ينفعها به من ثوب يلبسها إياه ، أو خادم يخدمها أو دراهم أو طعام ، وهو غير مؤقت لأن الله - عز وجل - لم يحصره بوقت ، وإنما أمر بتمتيعها فقط ، وقد قال : على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف ، وأما المتعة التي ليست بواجبة وهي مستحبة من جهة الإحسان والمحافظة على العهد ، فأن يتزوج الرجل امرأة ويسمي لها صداقا ثم يطلقها قبل دخوله بها أو بعده ، فيستحب له أن يمتعها بمتعة سوى نصف المهر الذي وجب عليه لها ، إن لم يكن دخل بها ، أو المهر الواجب عليه كله ، إن كان دخل بها ، فيمتعها بمتعة ينفعها بها وهي غير واجبة عليه ، ولكنه استحباب ليدخل في جملة المحسنين أو المتقين ، والعرب تسمي ذلك كله متعة ومتاعا وتحميما وحما . وفي الحديث : أن عبد الرحمن طلق امرأة فمتع بوليدة أي أعطاها أمة ، هو من هذا الذي يستحب للمطلق أن يعطي امرأته عند طلاقها شيئا يهبها إياه . ورجل ماتع : طويل . وأمتع بالشيء وتمتع به واستمتع : دام له ما يستمده منه . وفي التنزيل : واستمتعتم بها قال أبو ذؤيب :


                                                          منايا يقربن الحتوف من أهلها     جهارا ويستمتعن بالأنس الجبل

                                                          يريد أن الناس كلهم متعة للمنايا ، والأنس كالإنس ، والجبل الكثير . ومتعه الله وأمتعه بكذا : أبقاه ليستمتع به . يقال : أمتع الله فلانا بفلان إمتاعا أي أبقاه ليستمتع به فيما يحب من الانتفاع به والسرور بمكانه ، وأمتعه الله بكذا ومتعه بمعنى . وفي التنزيل : وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ، فمعناه أي يبقكم بقاء في عافية إلى وقت وفاتكم ولا يستأصلكم بالعذاب كما استأصل القرى الذين كفروا . ومتع الله فلانا وأمتعه إذا أبقاه وأنسأه إلى أن ينتهي شبابه ، ومنه قول لبيد يصف نخلا نابتا على الماء حتى طال طواله إلى السماء فقال :


                                                          سحق يمتعها الصفا وسريه     عم نواعم ، بينهن كروم

                                                          والصفا والسري : نهران متخلجان من نهر محلم الذي بالبحرين لسقي نخيل هجر كلها . وقوله تعالى : متاعا إلى الحول غير إخراج ، أراد متعوهن تمتيعا فوضع متاعا موضع تمتيع ، ولذلك عداه بإلى ، قال الأزهري : هذه الآية منسوخة بقوله : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ، فمقام الحول منسوخ باعتداد أربعة أشهر وعشر ، والوصية لهن منسوخة بما بين الله من ميراثها في آية المواريث ، وقرئ : وصية لأزواجهم ، ووصية ، بالرفع والنصب ; فمن نصب فعلى المصدر الذي أريد به الفعل كأنه قال ليوصوا لهن وصية ، ومن رفع فعلى إضمار فعليهم وصية لأزواجهم ، ونصب قوله متاعا على المصدر أيضا أراد متعوهن متاعا ، والمتاع والمتعة اسمان يقومان مقام المصدر الحقيقي وهو التمتيع أي انفعوهن بما توصون به لهن من صلة تقوتهن إلى الحول . وقوله تعالى : أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ، قال ثعلب : معناه أطلنا أعمارهم ثم جاءهم الموت . والماتع : الطويل من كل شيء . ومتع الشيء : طوله ، ومنه قول لبيد البيت المقدم وقول النابغة الذبياني :


                                                          إلى خير دين سنة قد علمته     وميزانه في سورة المجد ماتع

                                                          أي راجح زائد . وأمتعه بالشيء ومتعه : ملأه إياه . وأمتعت بالشيء أي تمتعت به ، وكذلك تمتعت بأهلي ومالي ، ومنه قول الراعي :


                                                          خليلين من شعبين شتى تجاورا     قليلا وكانا بالتفرق أمتعا

                                                          أمتعا هاهنا : تمتعا ، والاسم من كل ذلك المتاع ، وهو في تفسير الأصمعي متعد بمعنى متع ، وأنشد أبو عمرو للراعي :


                                                          ولكنما أجدى وأمتع جده     بفرق يخشيه ، بهجهج ، ناعقه

                                                          أي تمتع جده بفرق من الغنم ، وخالف الأصمعي أبا زيد وأبا عمرو في البيت الأول ورواه : وكانا للتفرق أمتعا ، باللام ، يقول : ليس من أحد يفارق صاحبه إلا أمتعه بشيء يذكره به ، فكان ما أمتع كل واحد من هذين صاحبه أن فارقه أي كانا متجاورين في المرتبع فلما انقضى الربيع تفرقا ، وروي البيت الثاني : وأمتع جده ، بالنصب ، أي أمتع الله جده . وقال الكسائي : طالما أمتع بالعافية في معنى متع وتمتع . وقول الله تعالى : فاستمتعتم بخلاقكم ، قال الفراء : استمتعوا يقول رضوا بنصيبهم في الدنيا من أنصبائهم في الآخرة وفعلتم أنتم كما فعلوا . ويقال : أمتعت عن فلان أي استغنيت عنه . والمتعة والمتعة والمتعة أيضا : البلغة ، ويقول الرجل لصاحبه : ابغني متعة أعيش بها أي ابغ لي شيئا آكله أو زادا أتزوده أو قوتا أقتاته ، ومنه قول الأعشى يصف صائدا :


                                                          من آل نبهان يبغي صحبه متعا



                                                          أي يبغي لأصحابه صيدا يعيشون به ، والمتع جمع متعة . قال الليث : ومنهم من يقول متعة ، وجمعها متع ، وقيل : المتعة الزاد القليل ، وجمعها متع . قال الأزهري : وكذلك قوله تعالى : ياقوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع ، أي بلغة يتبلغ به لا بقاء له . ويقال : لا يمتعني هذا الثوب أي لا يبقى لي ، ومنه يقال : أمتع الله بك . أبو عبيدة في قوله فأمتعه أي أؤخره ، ومنه يقال : أمتعك الله بطول العمر ، وأما قول بعض العرب يهجو امرأته :


                                                          لو جمع الثلاث والرباع     وحنطة الأرض التي تباع
                                                          لم تره إلا هو المتاع



                                                          فإنه هجا امرأته . والثلاث والرباع : أحدهما كيل معلوم ، والآخر [ ص: 15 ] وزن معلوم يقول : لو جمع لها ما يكال أو يوزن لم تره المرأة إلا متعة قليلة . قال الله - عز وجل - : ما هذه الحياة الدنيا إلا متاع ، وقول الله - عز وجل - : ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم جاء في التفسير : أنه عنى ببيوت غير مسكونة الخانات والفنادق التي تنزلها السابلة ولا يقيمون فيها إلا مقام ظاعن ، وقيل : إنه عنى بها الخرابات التي يدخلها أبناء السبيل للانتفاص من بول أو خلاء ، ومعنى قوله - عز وجل - : فيها متاع لكم أي منفعة لكم تقضون فيها حوائجكم مستترين عن الأبصار ورؤية الناس ، فذلك المتاع والله أعلم بما أراد . وقال ابن المظفر : المتاع من أمتعة البيت ما يستمتع به الإنسان في حوائجه

                                                          وكذلك كل شيء ، قال : والدنيا متاع الغرور ، يقول : إنما العيش متاع أيام ثم يزول أي بقاء أيام . والمتاع : السلعة . والمتاع أيضا : المنفعة وما تمتعت به . وفي حديث ابن الأكوع : قالوا يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لولا متعتنا به أي تركتنا ننتفع به . وفي الحديث : أنه حرم المدينة ورخص في متاع الناصح ، أراد أداة البعير التي تؤخذ من الشجر فسماها متاعا . والمتاع : كل ما ينتفع به من عروض الدنيا قليلها وكثيرها . ومتع بالشيء : ذهب به يمتع متعا . يقال : لئن اشتريت هذا الغلام لتمتعن منه بغلام صالح أي لتذهبن به ، قال المشعث :


                                                          تمتع يا مشعث ، إن شيئا     سبقت به الممات ، هو المتاع

                                                          وبهذا البيت سمي مشعثا . والمتاع : المال والأثاث ، والجمع أمتعة وأماتع جمع الجمع ، وحكى ابن الأعرابي أماتيع فهو من باب أقاطيع . ومتاع المرأة : هنها . والمتع والمتع : الكيد الأخيرة عن كراع والأولى أعلى ، قال رؤبة :


                                                          من متع أعداء وحوض تهدمه



                                                          وماتع : اسم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية