الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                القسم الثاني : الصلح على الأموال ونحوها

                                                                                                                تمهيد : الصلح فيها دائر بين خمسة أمور : البيع ، إن كانت المعوضة فيه عن أعيان ، والصرف ، إن كان أحد النقدين عن الآخر ، والإجارة ، إن كانت عن منافع ، ودفع الخصومة ، إن لم يتعين شيء من ذلك ، والإحسان ، وهو ما يعطيه المصالح من غير الجاني ، فمتى تعين أحد هذه الأبواب وروعيت فيه شروطه ; لقوله - عليه السلام - : ( الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا [ ص: 345 ] أحل حراما أو حرم حلالا ) .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : تجوز المصالحة على عدم رد العبد القائم المعيب ، ورد بعض الثمن ; لأن العبد يبقى بباقيه ، ويجوز تأخير بقية الثمن بغير شرط ، وإلا امتنع لأنه بيع وسلف ، فإن صالحك على دفع دراهم إلى أجل والثمن دنانير امتنع ; لأنه عبد نقد ودراهم مؤجلة بدنانير معجلة ، فهو صرف مستأخر ، ويجوز على دراهم نقدا إن كانت أقل من صرف دينار ; لأنه صرف وبيع يجوز في مثل هذا فقط ، وجوزه أشهب في أكثر ، فإن فات العبد جاز بالنقدين والعروض نقدا بعد معرفتكما بقيمة العيب ; لتقرر البيع في الهالك ، وعلى دنانير مؤجلة ، مثل حصة العيب من الثمن أو أقل وإلا امتنع ; لأنه تأخير بزيادة ، وعلى دراهم أو عرض مؤجلة ، والثمن دنانير ، يمتنع ; لأنه فسخ حصة العيب في ذلك ، قال صاحب التنبيهات : وعن مالك : الجواز بالعروض والنقد وإن جهلا قيمة العيب ; لأن المصالحة على المجهول جائزة ، ويجوز - إذا علما - بدنانير من غير سكة الثمن ; لأنه مبادلة ، وتجويز أشهب في أكثر من صرف دينار ، هو على تجويزه الصرف والبيع ، وهذا الصلح لدفع الخصومة لا معاوضة محققة ، وقيل : هذا الخلاف ما لم يقل : رددت ، وإلا امتنع على قولهما لتحقق المعاوضة . قال صاحب النكت : تجويزه في أول المسألة الصلح على رد البعض ، محمول على أن المردود من سكة الثمن ، وإلا امتنع لأنه عرض وذهب بذهب ، قال : وينبغي إذا منعنا التأجيل بشرط فأسقط الأقل قبل [ ص: 346 ] اقترافهما جاز ، ويمتنع بعد هذا الافتراق ; لأن المؤجل كسلف غيب عليه ، والسلف إذا غيب لم يفد إسقاطه ; لأن الربا قد تم ، قال ابن يونس : ويجوز على العرض نقدا نقدت الدنانير أم لا ، وإلى أجل ، وإن لم ينقده . ولا يؤخره إلا مثل ما يؤخر ثمن السلم ، وإن نقدت الدنانير امتنع ; لأن وجود العيب يوجب الرد ، ويصير الثمن دينا فهو دين بدين ، قال أصبغ : إن لم يقبض الثمن حتى فات العيب : جاز إسقاط أي شيء اتفقا عليه من الثمن ، علم العيب أم لا ، قال : والصواب : المنع إذا جهلت القيمة ; لأنه بيع فيه غرر ، فإن علمت جاز ; لأن الأقل مسامحة . والأكثر منة ، والمساوي حق ، ويجوز دفع دراهم على أن يرد له الدنانير بعد معرفة قيمة البيع ، قلت الدراهم أو كثرت ; لأنه صرف ما في الذمة ، وإن جهلت القيمة امتنع للغرر ، قال اللخمي : إذا هلكت وجهلت قيمة العيب جاز على ما يرى أنه أقل بكثير أو أكثر بكثير للخروج عن حيز المكايسة . وعلى غير المسكة يمتنع لذريعة الفساد ، إلا أن يكون أقل أو أدنى سكة أو أجود مثل الوزن إذا كثر ، بخلاف الأدنى سكة والأكثر وزنا أو أجود أو أدنى وزنا لظهور سبب المكايسة ، وعلى دنانير ، والثمن دنانير قبل معرفة العيب واستواء السكة والوزن ، أو المؤخر أدنى سكة أو وزنا ; لأنه معروف بتأخير الأدنى ، أو أجود ، امتنع ، استوى الوزن أم لا ; لأن التأخير للجودة .

                                                                                                                [ ص: 347 ] فرع

                                                                                                                قال ابن يونس : يمتنع في الصلح ما يمتنع في البيع كمصالحة منكر المال على سكنى أو خدمة ; لأنه فسخ دين في دين ، أو قمح من شعير مؤجل لأنه نسأ في الطعام ، فإن فات فالقيمة أو المثل كالبيع ، وينفذ إن وقع بالمكروه ، ولو أدرك بحدثانه قاله مطرف ، قال عبد الملك : يفسخ بالحدثان وينفذ مع الطول ، ونفذ أصبغ الحرام ولو بالحدثان لأنه كالهبة ، وكذلك لو صاغ بشقص لا شفعة فيه كالهبة ، وهذا في ظاهر الحكم ، وبينه وبين الله - تعالى - يحرم ما يحرم في البيع ، وقال غير أصبغ : في الشقص الشفعة .

                                                                                                                فرع : قال صاحب التنبيهات : الصلح معاوضة على دعوى ، ويجوز على الإقرار والإنكار والسكوت ، وقيل : يمتنع في الإنكار .

                                                                                                                فأما الإقرار وحده أو الإقرار والإنكار ، كمن اعترف ببعض الحق وكالبيع في جميع أحواله ، وأما الإنكار المحض فأصل مالك : اعتبار ثلاثة أشياء : ما يجوز على دعوى المدعي ، ومع إنكار المنكر ، وعلى ظاهر الحكم فيما اصطلحا ، وأصل ابن القاسم : اعتبار الصلح في حق كل واحد منهما على انفراده ، ولا عبرة بما يوجبه الحكم ، والسكوت كالإقرار عندهما ، فإن توقع الفساد في حق أحدهما كمن يدعي عشرة دراهم فينكره فيصالحه بمائة إلى أجل : ففي حق الطالب يمتنع ، والمطلوب يقول : افتديت بالمائة من اليمين ، فيفسخه مالك وأصحابه ; لتضمنه الفساد من حيث الجملة ، ويمضيه أصبغ ; لأن الحرام في العقود لا بد من الشركة فيه .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية