الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب غزوة الفتح وما بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بغزو النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                        4025 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار قال أخبرني الحسن بن محمد أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع يقول سمعت عليا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوا منها قال فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة قلنا لها أخرجي الكتاب قالت ما معي كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب قال فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش يقول كنت حليفا ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه قد صدقكم فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرا فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله السورة يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق إلى قوله فقد ضل سواء السبيل

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب غزوة الفتح ) أي فتح مكة شرفها الله تعالى ، وسقط لفظ " باب " من نسخة الصغاني ، وكان سبب ذلك أن قريشا نقضوا العهد الذي وقع بالحديبية ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فغزاهم . قال ابن إسحاق " حدثني الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة أنه كان في الشرط : من أحب أن يدخل في عقد رسول [ ص: 593 ] الله - صلى الله عليه وسلم - وعهده فليدخل ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل ، فدخلت بنو بكر - أي ابن عبد مناة بن كنانة - في عهد قريش ، ودخلت خزاعة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ابن إسحاق : وكان بين بني بكر وخزاعة حروب وقتلى في الجاهلية ، فتشاغلوا عن ذلك لما ظهر الإسلام ، فلما كانت الهدنة خرج نوفل بن معاوية الديلي من بني بكر في بني الديل حتى بيت خزاعة على ماء لهم يقال له : الوتير ، فأصاب منهم رجلا يقال له : منبه ، واستيقظت لهم خزاعة فاقتتلوا إلى أن دخلوا الحرم ولم يتركوا القتال ، وأمدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل بعضهم معهم ليلا في خفية ، فلما انقضت الحرب خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في المسجد فقال :


                                                                                                                                                                                                        يا رب إني ناشد محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا

                                                                                                                                                                                                        فانصر هداك الله نصرا أيدا
                                                                                                                                                                                                        وادع عباد الله يأتوا مددا

                                                                                                                                                                                                        إن قريشا أخلفوك الموعدا
                                                                                                                                                                                                        ونقضوا ميثاقك المؤكدا

                                                                                                                                                                                                        هم بيتونا بالوتير هجدا
                                                                                                                                                                                                        وقتلونا ركعا وسجدا

                                                                                                                                                                                                        وزعموا أن لست أدعو أحدا
                                                                                                                                                                                                        وهم أذل وأقل عددا



                                                                                                                                                                                                        قال ابن إسحاق : فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " نصرت يا عمرو بن سالم " فكان ذلك ما هاج فتح مكة . وقد روى البزار من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة بعض الأبيات المذكورة في هذه القصة ، وهو إسناد حسن موصول . ولكن رواه ابن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة مرسلا . وأخرجه أيضا من رواية أيوب عن عكرمة مرسلا مطولا قال فيه : " لما وادع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل مكة ، وكانت خزاعة في صلحه وبنو بكر في صلح قريش ، فكان بينهم قتال ، فأمدتهم قريش بسلاح وطعام ، فظهروا على خزاعة وقتلوا منهم . قال : وجاء وفد خزاعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعاه إلى النصر ، وذكر الشعر " وأخرجه عبد الرزاق من طريق مقسم عن ابن عباس مطولا وليس فيه الشعر . وأخرجه الطبراني من حديث ميمونة بنت الحارث مطولا وفيه أيضا أنها " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ليلا وهو في متوضئه : نصرت نصرت ، فسألته فقال : هذا راجز بني كعب يستصرخني ، وزعم أن قريشا أعانت عليهم بني بكر . قالت : فأقمنا ثلاثا ، ثم صلى الصبح بالناس ، ثم سمعت الراجز ينشده " وعند موسى بن عقبة في هذه القصة قال : ويذكرون أن ممن أعانهم من قريش صفوان بن أمية وشيبة بن عثمان وسهل بن عمرو .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وما بعث به حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بغزو النبي صلى الله عليه وسلم ) سقط لفظ " به " من بعض النسخ أي لعزم النبي - صلى الله عليه وسلم - على غزوهم . وعند ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبيدي عن عروة قال : فلما أجمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم بذلك ، ثم أعطاه امرأة من مزينة ، وفي مرسل أبي سلمة المذكور عند ابن أبي شيبة " ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة : جهزيني ولا تعلمي بذلك أحدا ، فدخل عليها أبو بكر فأنكر بعض شأنها فقال : ما هذا ؟ فقالت له ، فقال : والله ما انقضت الهدنة بيننا ، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فذكر له أنهم أول من غدر . ثم أمر بالطرق فحبست فعمي على أهل مكة لا يأتيهم خبر " .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 594 ] قوله : ( حدثنا سفيان ) هو ابن عيينة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن عمرو ) تقدم في الجهاد " عن علي عن سفيان سمعت عمرو بن دينار " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا والزبير والمقداد ) كذا في رواية عبيد الله بن أبي رافع ، وفي رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي كما تقدم في فضل من شهد بدرا " بعثني وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام " فيحتمل أن يكون الثلاثة كانوا معه ، فذكر أحد الراويين عنه ما لم يذكره الآخر ولم يذكر ابن إسحاق مع علي والزبير أحدا ، وساق الخبر بالتثنية . قال : " فخرجا حتى أدركاها فاستنزلاها إلخ " فالذي يظهر أنه كان مع كل منهما آخر تبعا له .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فإن بها ظعينة معها كتاب ) في أواخر الجهاد من وجه آخر عن علي : " وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتابا " وذكر ابن إسحاق أن اسمها سارة ، والواقدي أن اسمها كنود ، وفي رواية سارة ، وفي أخرى أم سارة . وذكر الواقدي أن حاطبا جعل لها عشرة دنانير على ذلك ، وقيل : دينارا واحدا ، وقيل : إنها كانت مولاة العباس .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأخرجته من عقاصها ) قد تقدم في الجهاد ، وبيان الاختلاف في ذلك ، ووجه الجمع بين كونه في عقاصها أو في حجزتها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يخبرهم ببعض أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) وفي مرسل عروة تخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأمر في السير إليهم ، وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إني كنت امرأ ملصقا في قريش ) أي حليفا ، وقد فسره بقوله : " كنت حليفا ولم أكن من أنفسها " وعند ابن إسحاق " ليس في القوم من أصل ولا عشيرة " وعند أحمد " وكنت غريبا " قال السهيلي : كان حاطب حليفا لعبد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزى ، واسم أبي بلتعة عمرو ، وقيل : كان حليفا لقريش .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يحمون بها قرابتي ) في رواية ابن إسحاق " وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليه " وسيأتي تكملة شرح هذا الحديث في سورة الممتحنة ، وذكر بعض أهل المغازي وهو في " تفسير يحيى بن سلام " أن لفظ الكتاب " أما بعد يا معشر قريش فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءكم بجيش كالليل ، يسير كالسيل ، فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده . فانظروا لأنفسكم والسلام " كذا حكاه السهيلي . وروى الواقدي بسند له مرسل أن حاطبا كتب إلى سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وعكرمة " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن في الناس بالغزو ، ولا أراه يريد غيركم ، وقد أحببت أن يكون لي عندكم يد "




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية