الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8813 ) مسألة ; قال : وإذا كان العبد لثلاثة ، فجاءهم بثلاثمائة درهم ، فقال : بيعوني نفسي بها . فأجابوه ، فلما عاد إليهم ليكتبوا له كتابا ، أنكر أحدهم أن يكون أخذ شيئا ، وشهد الرجلان عليه بالأخذ ، فقد صار العبد حرا بشهادة الشريكين ، إذا كانا عدلين ، ويشاركهما فيما أخذا من المال ، وليس على العبد شيء اعترض على الخرقي في هذه المسألة ، حيث أجاز له شراء نفسه بعين ما في يده مع أنه قد ذكر في باب العتق : إذا قال العبد لرجل : اشترني من سيدي بهذا المال ، وأعتقني فاشتراه بعين المال ، كان الشراء والعتق باطلين ويكون السيد قد أخذ ماله . وقد أجاب القاضي عن هذا الإشكال بوجوه ; منها ، أن يكون مكاتبا ، وقوله : بيعوني من نفسي بهذه . أي أعجل لكم الثلاثمائة ، وتضعون عني ما بقي من كتابتي . ولهذا ذكرهما في باب المكاتب .

                                                                                                                                            الثاني أن يكون المال في يد العبد لأجنبي قال له : اشتر نفسك بها . من غير أن يملكه إياها . الثالث ، أن يكون عتقا بصفة ، تقديره : إذا قبضنا منك هذه الدراهم ، فأنت حر . الرابع ، أن يكون رضي سادته ببيعه نفسه بما في يده ، وفعلهم ذلك معه إعتاق منهم له مشروطا بتأدية ذلك إليهم ، فتكون صورته صورة البيع ومعناه العتق بشرط الأداء ، كما لو قال : بعتك نفسك بخدمتي سنة . فإن منافعه مملوكة لسيده ، وقد صح هذا فيها فكان هاهنا . وهذا الوجه أظهرها ، إن شاء الله تعالى ; لأنه لا يحتاج إلى تأويل ، ومتى أمكن حمل الكلام على ظاهره ، لم يجز تأويله بغير دليل . وإذا تعذر هذا ، فمتى اشترى العبد نفسه من سادته ، عتق ; لأن البيع يخرجه من ملكهم ، ولا يثبت عليه ملك آخر ، إلا أنه هاهنا لا يعتق إلا بالقبض ; لأنا جعلناه عتقا مشروطا بالقبض . وبهذا قال الخرقي : فقد صار العبد حرا بشهادة الشريكين اللذين شهدا بالقبض . ولو عتق بالبيع ، لعتق باعترافهم به ، لا بالشهادة بالقبض .

                                                                                                                                            ومتى أنكر أحدهم أخذ نصيبه من الثمن ، فشهد عليه شريكاه ، وكانا عدلين ، قبلت شهادتهما ; لأنهما عدلان شهدا للعبد بأداء ما يعتق به ، فقبلت شهادتهما ، كالأجنبيين ، ورجع المشهود عليه عليهما فيشاركهما فيما أخذاه ; لأنهما اعترفا بأخذ مائتين من ثمن العبد ، والعبد مشترك بينهم ، فثمنه يجب أن يكون بينهم ، ولأن ما في يد العبد لهم ، والذي أخذاه كان في يده ، فيجب أن يشترك الجميع فيه ، ويكون بينهم بالسوية ، وشهادتهما فيما لهما فيه نفع غير مقبولة ، ودفع مشاركته لهما فيه نفع لهما ، فلم تقبل شهادتهما فيه ، وقبلت شهادتهما فيما [ ص: 394 ] ينتفع به العبد ، دون ما ينتفعان به ، كما لو أقر بشيء لغيرهما لهما فيه نفع ، فإن إقرارهما يقبل فيما عليهما ، دون مالهما .

                                                                                                                                            وقياس المذهب أن لا تقبل شهادتهما على شريكهما بالقبض ; لأنهما يدفعان بها عن أنفسهما مغرما ، ومن شهد شهادة جر إلى نفسه نفعا بطلت شهادته في الكل ، وإنما يقبل ذلك في الإقرار ; لأن العدالة غير معتبرة فيه ، والتهمة لا تمنع من صحته ، بخلاف الشهادة . فعلى هذا القياس ، يعتق نصيب الشاهدين بإقرارهما ، ويبقى نصيب المشهود عليه موقوفا على القبض ، وله مطالبته بنصيبه ، أو مشاركة صاحبه فيما أخذ . فإن شاركهما ، أخذ منهما ثلثي مائة ، ورجع على العبد بتمام المائة ، ولا يرجع المأخوذ منه على الآخر بشيء ، لأنه إن أخذ من العبد ، فهو يقول : ظلمني ، وأخذ مني مرتين . وإن أخذ من الشاهدين ، فهما يقولان : ظلمنا ، وأخذ منا ما لا يستحقه علينا . ولا يرجع المظلوم على غير ظالمه . وإن كانا غير عدلين ، فكذلك ، سواء قلنا : إن شهادة العدلين مقبولة . أو لا ; لأن غير العدل لا تقبل شهادته ، وإنما يؤاخذ بإقراره .

                                                                                                                                            وإن أنكر الثالث البيع فنصيبه باق على الرق ، إذا حلف ، إلا أن يشهدا عليه بالبيع ، يكونان عدلين ، فتقبل شهادتهما ; لأنهما لا يجران إلى أنفسهما بهذه الشهادة نفعا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية