الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ، أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين

                                                                                                                                                                                                                                      ذلك كلام مستأنف سيق لبيان أن ما ذكر مستتبع للمنافع ، وارد على مقتضى الحكمة والمصلحة ; أي : الحكم الذي تقدم تفصيله .

                                                                                                                                                                                                                                      أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ; أي : أقرب إلى أن يؤدي الشهود الشهادة على وجهها الذي تحملوها عليه من غير تحريف ولا خيانة ، خوفا من العذاب الأخروي ، وهذه كما ترى حكمة شرعية التحليف بالتغليظ المذكور .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم بيان لحكمة شرعية رد اليمين على الورثة معطوف على مقدر ينبئ عنه المقام ، كأنه قيل : ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ، ويخافوا عذاب الآخرة بسبب اليمين الكاذبة ، أو يخافوا الافتضاح على رءوس الأشهاد بإبطال أيمانهم والعمل بأيمان الورثة ، فينزجروا عن الخيانة المؤدية إليه ، فأي الخوفين وقع حصل المقصد الذي هو الإتيان بالشهادة على وجهها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : هو عطف على " يأتوا " على معنى : أن ذلك أقرب إلى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ، أو إلى أن يخافوا الافتضاح برد اليمين على الورثة ، فلا يحلفوا على موجب شهادتهم إن لم يأتوا بها على وجهها ، فيظهر كذبهم بنكولهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما ما قيل : من أن المعنى : أن ذلك أقرب إلى أحد الأمرين اللذين أيهما وقع كان فيه الصلاح : أداء الشهادة على الصدق ، والامتناع عن أدائها على الكذب ; فيأباه المقام ; إذ لا تعلق له بالحادثة أصلا ، ضرورة أن الشاهد مضطر فيها إلى الجواب ، فالامتناع عن الشهادة الكاذبة مستلزم للإتيان بالصادقة قطعا ، فليس هناك أمران أيهما وقع كان فيه الصلاح ، حتى يتوسط بينهما كلمة أو ، وإنما يتأتى ذلك في شهود لم يتهموا بخيانة على أن إضافة الامتناع عن الشهادة الكاذبة إلى خوف رد اليمين على الورثة ، ونسبة الإتيان بالصادقة إلى غيره مع أن ما يقتضي أحدهما يقتضي الآخر لا محالة تحكم بحت ; فتأمل .

                                                                                                                                                                                                                                      واتقوا الله في مخالفة أحكامه التي من جملتها هذا الحكم .

                                                                                                                                                                                                                                      واسمعوا ما تؤمرون به كائنا ما كان سمع طاعة وقبول .

                                                                                                                                                                                                                                      والله لا يهدي القوم الفاسقين الخارجين عن الطاعة ; أي : فإن لم تتقوا ولم تسمعوا كنتم فاسقين ، والله لا يهدي القوم الفاسقين ; أي : إلى طريق الجنة ، أو إلى ما فيه نفعهم . [ ص: 93 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية