الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
في خراج الأرض هل هو جزية قال أبو بكر : اختلف أهل العلم في خراج الأرضين هل هو صغار ، وهل يكره للمسلم أن يملك أرض الخراج ، فروي عن ابن عباس وابن عمر ، وجماعة من التابعين كراهته ، ورأوه داخلا في آية الجزية ، وهو قول الحسن بن حي وشريك . وقال آخرون : { الجزية إنما هي خراج الرءوس ، ولا يكره للمسلم أن يشتري أرض خراج ، وليس ذلك بصغار } ، وهو قول أصحابنا وابن أبي ليلى . وروي عن عبد الله بن مسعود ما يدل على أنه لم يكرهه ، وهو ما روى شعبة عن الأعمش عن شمر بن عطية عن رجل من طي عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا قال عبد الله : براذان ما براذان ، وبالمدينة ما بالمدينة يعني أن له ضيعة براذان ، وضيعة بالمدينة ؛ ومعلوم أن راذان من الأرض الخراج ، فلم يكره عبد الله ملك أرض الخراج .

وروي عن عمر بن الخطاب في دهقانة نهر الملك حين أسلمت : إن أقامت على أرضها أخذنا منها الخراج . وروي أن ابن الرفيل أسلم فقال مثل ذلك ، وعن علي في رجل من أهل الأرض أسلم فقال : إن أقمت على أرضك أخذنا منك الخراج ، وإلا فنحن أولى بها . وروي عن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد مثل ذلك .

وروى سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : منعت [ ص: 298 ] العراق قفيزها ودرهمها ، ومنعت الشام مدها ودينارها ، ومنعت مصر إردبها ، وعدتم كما بدأتم ثلاث مرات ، يشهد على ذلك لحم أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ودمه . وهذا يدل على أن خراج الأرض ليس بصغار من وجهين :

أحدهما : أنه لم يكره لهم ملك أرض الخراج التي عليها قفيز ودرهم ، ولو كان ذلك مكروها لذكره . والثاني : أنه أخبر عن منعهم لحق الله المفترض عليهم بالإسلام ، وهو معنى قوله : عدتم كما بدأتم يعني في منع حق الله ، فدل على أنه كسائر الحقوق اللازمة لله تعالى مثل الزكوات والكفارات لا على وجه الصغار والذلة . وأيضا لم يختلفوا أن الإسلام يسقط جزية الرءوس ، ولا يسقط على الأرض ، فلو كان صغارا لأسقطه الإسلام .

فإن قيل : لما كان خراج الأرضين فيئا ، وكذلك جزية الرءوس دل على أنه صغار قيل له : ليس كذلك ؛ لأن من الفيء ما يصرف إلى الغانمين ، ومنه ما يصرف إلى الفقراء والمساكين ، وهو الخمس ، وهذا كلام في الوجه الذي يصرف فيه ، وليس يوجب ذلك أن يكون صغارا ؛ لأن الصغار في الفيء هو ما يبتدأ به الذي يجب عليه فأما ما قد وجب في الأرض من الحق ثم ملكها مسلم فإن ملك المسلم له لا يزيله إذ كان وجوبه فيها متقدما لملكه ، وهو حق لكافة المسلمين ، ولم تكن الجزية صغارا من حيث كانت فيئا ، وإنما كانت صغارا من حيث كانت عقوبة ، وليس خراج الأرضين على وجه العقوبة ، ألا ترى أن أرض الصبي والمعتوه يجب فيهما الخراج ، ولا تؤخذ منهما الجزية ؛ لأن الجزية عقوبة ، وخراج الأرضين ليس كذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية