الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              71 (باب منه) وذكره النووي في الباب السابق

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 26-29 جـ2 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل قال أبو رافع: فحدثت عبد الله بن عمر فأنكره علي، فقدم ابن [ ص: 175 ] مسعود فنزل «بقناة» فاستتبعني إليه عبد الله بن عمر يعوده فانطلقت معه فلما جلسنا سألت ابن مسعود عن هذا الحديث فحدثنيه كما حدثته ابن عمر ، قال صالح وقد تحدث بنحو ذلك عن أبي رافع ] وفي رواية عنه ، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما كان من نبي إلا وقد كان له حواريون يهتدون بهديه ويستنون بسنته. مثل حديث صالح ولم يذكر قدوم ابن مسعود واجتماع ابن عمر معه .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عبد الله بن مسعود» ، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون ) .

                                                                                                                              قال الأزهري وغيره: هم خلصان الأنبياء وأصفياؤهم، «والخلصان» الذين نقوا من كل عيب. وقال غيرهم: «أنصارهم» ، وقيل: «المجاهدون» .

                                                                                                                              وقيل: «الذين يصلحون للخلافة بعدهم» ؛ والأول أولى.

                                                                                                                              «وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف» ، الضمير في «إنها» هو الذي يسميه النحويون «ضمير القصة والشأن» . ومعنى «تخلف» تحدث؛ وهو بضم اللام.

                                                                                                                              «والخلوف» بضم الخاء جمع «خلف» بإسكان اللام. وهو «الخالف بشر» وأما بفتح اللام، فهو «الخالف بخير» .

                                                                                                                              [ ص: 176 ] هذا هو الأشهر. وقال جماعات من أهل اللغة منهم أبو زيد: يقال كل واحد منهما بالفتح والإسكان، ومنهم من جوز الفتح في «الشر» ولم يجوز الإسكان في الخير والله أعلم.

                                                                                                                              (يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ) .

                                                                                                                              وحكى أبو على الجياني عن الإمام أحمد أنه قال: هذا الحارث غير محفوظ الحديث. قال: وهذا الكلام لا يشبه كلام ابن مسعود.

                                                                                                                              وابن مسعود يقول «اصبروا حتى تلقوني» .

                                                                                                                              وقال الشيخ أبو عمرو: هذا الحديث، قد أنكره أحمد بن حنبل.

                                                                                                                              وذكر الدارقطني: أن هذا الحديث قد روي من وجوه أخر عن ابن مسعود.

                                                                                                                              وأما قوله: «اصبروا حتى تلقوني» ، فذلك حيث يلزم من ذلك سفك الدماء، وإثارة الفتن، انتهى.

                                                                                                                              قال النووي: وما ورد في هذا الحديث من الحث على جهاد المبطلين، باليد واللسان، فذلك حيث لا يلزم منه إثارة فتنة.

                                                                                                                              على أن هذا الحديث، مسوق فيمن سبق من الأمم، وليس في لفظه ذكر لهذه الأمة.

                                                                                                                              هذا آخر كلام ابن الصلاح وهو ظاهر كما قال.

                                                                                                                              [ ص: 177 ] وقدح الإمام أحمد في هذا بهذا أعجب انتهى.

                                                                                                                              وأقول: هذا الحديث وإن لم يكن في لفظه ذكر لهذه الأمة، لكن نبه به صلى الله عليه وسلم على وقوع مثل ذلك في أمته بقوله «فمن جاهدهم الخ» فلا وجه لإنكار دخول هذه الأمة فيه. فالعبرة بعموم اللفظ. ثم مفهوم هذا الخبر قد وجد في هذه الأمة. والأحاديث الصحيحة الثابتة الواردة في خير القرون. وفيمن بعدهم. تدل لذلك دلالة واضحة، أبين من الأمس، وأظهر من الشمس.

                                                                                                                              «قال أبو رافع» هو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. والأصح أن اسمه «أسلم» .

                                                                                                                              وقيل: هرمز، وقيل: «إبراهيم» وقيل: «ثابت» ، وقيل: «يزيد» . وهو غريب حكاه ابن الجوزي في كتابه «جامع المسانيد» .

                                                                                                                              «فحدثته» عبد الله بن عمر فأنكره علي، فقدم ابن مسعود فنزل «بقناة» بالقاف المفتوحة، وآخره تاء التأنيث، وهو غير مصروف للعلمية والتأنيث.

                                                                                                                              وهكذا ذكره الحميدي، في الجمع بين الصحيحين، ووقع في أكثر الأصول.

                                                                                                                              ولمعظم رواة كتاب مسلم «بفنائه» بالفاء المكسورة وبالمد وآخره هاء الضمير.

                                                                                                                              «والفناء» ما بين أيدي المنازل والدور. وكذا رواه أبو عوانة الإسفرائيني.

                                                                                                                              [ ص: 178 ] قال عياض: وفي رواية السمرقندي «بقناة» وهو الصواب. «وقناة» : واد من أودية المدينة، عليه مال من أموالها.

                                                                                                                              قال: ورواية الجمهور «بفنائه» (وهو خطأ وتصحيف «فاستتبعني إليه عبد الله بن عمر يعوده) ، فانطلقت معه، فلما جلسنا سألت ابن مسعود عن هذا الحديث: فحدثنيه كما حدثته ابن عمر.

                                                                                                                              قال صالح بن كيسان: وقد تحدث «بضم التاء والحاء» بنحو ذلك عن أبي رافع؛ يعني عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، من غير ذكر ابن مسعود فيه.

                                                                                                                              وقد ذكره البخاري كذلك في تاريخه مختصرا، عن أبي رافع، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                              «وفي رواية عنه عن ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما كان من نبي إلا وقد كان له حواريون يهتدون بهديه، ويستنون بسنته» .

                                                                                                                              فذكر مثل حديث صالح، ولم يذكر قدوم ابن مسعود؛ واجتماع ابن عمر معه.

                                                                                                                              «والهدي» ، بفتح الهاء وإسكان الدال: أي: الطريقة والسمت.




                                                                                                                              الخدمات العلمية