الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 163 ] ومن أراد العمل من كتاب فطريقه أن يأخذه من نسخة معتمدة قابلها هو أو ثقة بأصول صحيحة ، فإن قابلها بأصل محقق معتمد أجزأه .

        التالي السابق


        ( ومن أراد العمل ) أو الاحتجاج ( بحديث من كتاب ) من الكتب المعتمدة ، وقال ابن الصلاح : حيث ساغ له ذلك ( فطريقه أن يأخذه من نسخة معتمدة قابلها هو أو ثقة بأصول صحيحة ) .

        قال ابن الصلاح : ليحصل له بذلك - مع اشتهار هذه الكتب ، وبعدها عن أن يقصد بها التبديل والتحريف - الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول ، وفهم جماعة من هذا الكلام الاشتراط ، وليس فيه ما يصرح بذلك ، ولا يقتضيه مع تصريح ابن الصلاح باستحباب ذلك في قسم الحسن ، حيث قال في الترمذي : فينبغي أن تصحح أصلك بجماعة أصول ، فأشار بينبغي إلى الاستحباب ، ولذلك قال المصنف زيادة عليه ( فإن قابلها بأصل محقق معتمد أجزأه ) ولم يورد ذلك مورد الاعتراض ، كما صنع في مسألة التصحيح قبله ، وفي مسألة القطع بما في الصحيحين ، وصرح أيضا في شرح مسلم بأن كلام ابن الصلاح محمول على الاستظهار والاستحباب دون الوجوب ، وكذا في المنهل الروي .



        [ ص: 164 ] [ خاتمة ]

        زاد العراقي في ألفيته هنا لأجل قول ابن الصلاح ، حيث ساغ له ذلك أن الحافظ أبا بكر محمد بن خير بن عمر الأموي - بفتح الهمزة - الإشبيلي ، خال أبي القاسم السهيلي قال في برنامجه : اتفق العلماء على أنه لا يصح لمسلم أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا حتى يكون عنده ذلك القول مرويا ، ولو على أقل وجوه الروايات ، لحديث : " من كذب علي " . انتهى .

        ولم يتعقبه العراقي ، وقد تعقبه الزركشي في جزء له فقال فيما قرأته بخطه : نقل الإجماع عجيب ، وإنما حكي ذلك عن بعض المحدثين ، ثم هو معارض بنقل ابن برهان إجماع الفقهاء على الجواز ، فقال في الأوسط : ذهب الفقهاء كافة إلى أنه لا يتوقف العمل بالحديث على سماعه ، بل إذا صح عنده النسخة جاز له العمل بها ، وإن لم يسمع ، وحكى الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني الإجماع على جواز النقل من الكتب المعتمدة ، ولا يشترط اتصال السند إلى مصنفيها ، وذلك شامل لكتب الحديث والفقه .

        وقال إلكيا الطبري في تعليقه : من وجد حديثا في كتاب صحيح جاز له أن يرويه ويحتج به ، وقال قوم من أصحاب الحديث لا يجوز له أن يرويه ؛ لأنه لم يسمعه ، وهذا غلط ، وكذا حكاه إمام الحرمين في البرهان عن بعض المحدثين ، وقال : هم عصبة لا [ ص: 165 ] مبالاة بهم في حقائق الأصول ، يعني المقتصرين على السماع لا أئمة الحديث .



        وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في جواب سؤال كتبه إليه أبو محمد بن عبد الحميد : وأما الاعتماد على كتب الفقه الصحيحة الموثوق بها فقد اتفق العلماء في هذا العصر على جواز الاعتماد ، والإسناد إليها ؛ لأن الثقة قد حصلت بها كما تحصل بالرواية ، ولذلك اعتمد الناس على الكتب المشهورة في النحو واللغة والطب وسائر العلوم لحصول الثقة بها وبعد التدليس ، ومن اعتقد أن الناس قد اتفقوا على الخطأ في ذلك فهو أولى بالخطأ منهم ، ولولا جواز الاعتماد على ذلك لتعطل كثير من المصالح المتعلقة بها ، وقد رجع الشارع إلى قول الأطباء في صور ، وليست كتبهم مأخوذة في الأصل إلا عن قوم كفار ، ولكن لما بعد التدليس فيها اعتمد عليها ، كما اعتمد في اللغة على أشعار العرب وهم كفار ، لبعد التدليس . انتهى .

        قال : وكتب الحديث أولى بذلك من كتب الفقه وغيرها ، لاعتنائهم بضبط النسخ وتحريرها . فمن قال : إن شرط التخريج من كتاب يتوقف على اتصال السند إليه فقد خرق الإجماع ، وغاية المخرج أن ينقل الحديث من أصل موثوق بصحته وينسبه إلى من رواه ، ويتكلم على علته وغريبه وفقهه .

        قال : وليس الناقل للإجماع مشهورا بالعلم مثل اشتهار هؤلاء الأئمة .

        قال : بل نص الشافعي في الرسالة على أنه يجوز أن يحدث بالخبر وإن لم يعلم أنه سمعه . فليت شعري أي إجماع بعد ذلك ! .

        قال : واستدلاله على المنع بالحديث المذكور أعجب وأعجب ، إذ ليس في الحديث [ ص: 166 ] اشتراط ذلك ، وإنما فيه تحريم القول بنسبة الحديث إليه حتى يتحقق أنه قاله ، وهذا لا يتوقف على روايته ، بل يكفي في ذلك علمه بوجوده في كتب من خرج الصحيح . أو كونه نص على صحته إمام ، وعلى ذلك عمل الناس .




        الخدمات العلمية