الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب لا وتران في ليلة وختم صلاة الليل بالوتر وما جاء في نقضه

                                                                                                                                            934 - ( عن طلق بن علي قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { لا وتران في ليلة } رواه الخمسة إلا ابن ماجه ) .

                                                                                                                                            935 - ( وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا } . رواه الجماعة إلا ابن ماجه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            أما حديث طلق بن علي فحسنه الترمذي ، قال عبد الحق : وغير الترمذي صححه ، وأخرجه أيضا ابن حبان وصححه ، وقد احتج به على أنه لا يجوز نقض الوتر .

                                                                                                                                            ومن جملة المحتجين به على ذلك طلق بن علي الذي رواه كما قال العراقي ، قال : وإلى ذلك ذهب أكثر العلماء ، وقالوا : إن من أوتر وأراد الصلاة بعد ذلك لا ينقض وتره ، ويصلي شفعا شفعا حتى يصبح ، قال : فمن الصحابة أبو بكر الصديق وعمار بن ياسر ورافع بن خديج وعائذ بن عمرو وطلق بن علي وأبو هريرة وعائشة . ورواه ابن أبي شيبة في المصنف [ ص: 57 ] عن سعد بن أبي وقاص وابن عمر وابن عباس

                                                                                                                                            وممن قال به من التابعين سعيد بن المسيب وعلقمة والشعبي وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ومكحول والحسن البصري ، روى ذلك ابن أبي شيبة عنهم في المصنف أيضا . وقال به من التابعين طاوس وأبو مجلز . ، ومن الأئمة سفيان الثوري ومالك وابن المبارك وأحمد ، روى ذلك الترمذي عنهم في سننه ، وقال : إنه أصح . ورواه العراقي عن الأوزاعي والشافعي وأبي ثور ، وحكاه القاضي عياض عن كافة أهل الفتيا

                                                                                                                                            وروى الترمذي عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم جواز نقض الوتر ، وقالوا : يضيف إليها أخرى ، ويصلي ما بدا له ، ثم يوتر في آخر صلاته قال : وذهب إليه إسحاق

                                                                                                                                            واستدلوا بحديث ابن عمر المذكور في الباب وقالوا : إذا أوتر ثم نام ثم قام فلم يشفع وتره ، وصلى مثنى مثنى كما قال الأولون ، ولم يوتر في آخر صلاته كان قد جعل آخر صلاته من الليل شفعا لا وترا ، وفيه مخالفة لقوله صلى الله عليه وسلم : { اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا } واستدل الأولون على جواز صلاة الشفع بعد الوتر بحديث عائشة المتقدم وبحديث أم سلمة الآتي ، وقد قدمنا الكلام على ذلك في شرح حديث عائشة

                                                                                                                                            936 - ( وعن ابن عمر أنه كان إذا سئل عن الوتر قال : أما أنا فلو أوترت قبل أن أنام ، ثم أردت أن أصلي بالليل شفعت بواحدة ما مضى من وتري ، ثم صليت مثنى مثنى ، فإذا قضيت صلاتي أوترت بواحدة ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمرنا أن نجعل آخر صلاة الليل الوتر } رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            937 - ( وعن علي قال : الوتر ثلاثة أنواع فمن شاء أن يوتر أول الليل أوتر ، فإن استيقظ فشاء أن يشفعها بركعة ويصلي ركعتين ركعتين حتى يصبح ثم يوتر فعل ، وإن شاء ركعتين حتى يصبح ، وإن شاء آخر الليل أوتر . رواه الشافعي في مسنده )

                                                                                                                                            حديث ابن عمر ، قال في مجمع الزوائد : فيه ابن إسحاق وهو مدلس وهو ثقة وبقية رجاله رجال الصحيح ا هـ . والمرفوع من حديث ابن عمر متفق عليه كما تقدم .

                                                                                                                                            ، وأثر علي أخرجه البيهقي أيضا ، وقد استدل به ابن عمر ومن معه على جواز نقض الوتر ، وقد قدمنا وجه دلالته على ذلك

                                                                                                                                            وقد ناقضهم القائلون بعدم الجواز فاستدلوا به على أنه لا يجوز النقض ، قالوا : لأن الرجل إذا أوتر أول الليل فقد قضى وتره ، فإذا هو نام بعد ذلك ثم قام وتوضأ وصلى ركعة أخرى ، فهذه صلاة غير تلك الصلاة ، وغير جائز في النظر أن تتصل هذه الركعة بالركعة الأولى التي صلاها في أول الليل فلا يصيران صلاة واحدة [ ص: 58 ] وبينهما نوم وحدث ووضوء وكلام في الغالب

                                                                                                                                            وإنما هما صلاتان متباينتان ، كل واحدة غير الأولى ، ومن فعل ذلك فقد أوتر مرتين ، ثم إذا هو أوتر أيضا في آخر صلاته صار موترا ثلاث مرات . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وترا } وهذا قد جعل الوتر في مواضع من صلاة الليل . وأيضا قال صلى الله عليه وسلم : { لا وتران في ليلة } وهذا قد أوتر ثلاث مرات

                                                                                                                                            938 - ( وعن أم سلمة { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركع ركعتين بعد الوتر } . رواه الترمذي ، ورواه أحمد وابن ماجه وزاد : وهو جالس . وقد سبق هذا المعنى من حديث عائشة ، وهو حجة لمن لم ير نقض الوتر ) .

                                                                                                                                            939 - ( وقد روى سعيد بن المسيب { أن أبا بكر وعمر تذاكرا الوتر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكر : أما أنا فأصلي ثم أنام على وتر ، فإذا استيقظت صليت شفعا شفعا حتى الصباح ، وقال عمر : لكن أنام على شفع ثم أوتر من آخر السحر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : حذر هذا ، وقال لعمر : قوي هذا } رواه أبو سليمان الخطابي بإسناده ) . أما حديث أم سلمة فصححه الدارقطني في سننه ، ثبت ذلك في رواية محمد بن عبد الملك بن بشران عنه ، وليس في رواية أبي طاهر محمد بن أحمد بن عبد الرحيم عن الدارقطني تصحيح له ، كذا قال العراقي قال الترمذي : وقد روي نحو هذا عن أبي أمامة وعائشة وغير واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم ا هـ . وأما حديث عائشة الذي أشار إليه المصنف فقد تقدم وتقدم شرحه . وأما حديث أبي بكر وعمر فقد ورد من طرق ليس فيها قول أبي بكر : فإذا استيقظت صليت شفعا شفعا منها عند البزار والطبراني عن أبي هريرة . ومنها عند ابن ماجه عن جابر . ومنها عند أبي داود والحاكم عن أبي قتادة ومنها عند ابن ماجه عن ابن عمر . ومنها عند الطبراني في الكبير ، ومحمد بن نصر عن عقبة بن عامر ، فإن صحت هذه الزيادة التي ذكرها الخطابي كانت صالحة للاستدلال بها على قول من أجاز التنفل بعد الوتر ، وقد تقدم ذكرهم ، وإن لم تصح فالكلام ما قدمنا في شرح حديث عائشة من اختصاص الركعتين بعد الوتر به صلى الله عليه وسلم لما سلف




                                                                                                                                            الخدمات العلمية