الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الأصل الثاني :

العلم بأنه تعالى عالم بجميع الموجودات ومحيط بكل المخلوقات لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، صادق في قوله وهو بكل شيء عليم ومرشد إلى صدقه بقوله تعالى : ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير أرشدك إلى الاستدلال بالخلق على العلم بأنك لا تستريب في دلالة الخلق اللطيف والصنع المزين بالترتيب ولو في الشيء الحقير الضعيف على علم الصانع بكيفية الترتيب والترصيف .

التالي السابق


(الأصل الثاني: العلم بأنه تعالى عالم بجميع الموجودات) وعلمه محيط بجميع المعلومات على التفصيل [ ص: 138 ] (فلا يعزب) أي: لا يغيب (عن علمه) الأزلي الواجب (مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، صادق في قوله) جل وعلا ( وهو بكل شيء عليم ) ظاهره وباطنه، دقيقه وجليله، أوله وآخره، عاقبته وخاتمته، وهذا من حيث الكشف على أتم ما يمكن فيه بحيث لا يتصور مشاهدة وكشف أظهر منه، ولا يكون مستفادا من المعلومات، بل تكون المعلومات مستفادة منه .

(ومرشد إلى صدقه بقوله تعالى: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) قال المصنف: من يعلم دقائق المصالح وغوامضها، وما دق منها وما لطف، ثم يسلك في إيصالها إلى المستصلح على سبيل الرفق دون العنف، فإذا اجتمع الرفق في الفعل واللطف والإدراك تم معنى اللطف، ولا يتصور كمال ذلك في العلم والفعل إلا لله تعالى، فأما إحاطته بالدقائق والخفايا فلا يمكن تفصيل ذلك، بل الخفي عنده كالجلي من غير فرق، وأما رفقه في الأفعال ولطفه فيها فلا يدخل أيضا تحت الحصر، إذ لا يعرف اللطف في فعله إلا من عرف تفاصيل أفعاله وعرف دقائق اللطف فيها، وبقدر اتساع المعرفة فيها تتسع بمعنى اسم اللطيف، وأما الخبير فهو الذي لا تعزب عنه الأخبار الباطنة، فلا يجري في الملك والملكوت شيء ولا تتحرك ذرة ولا تسكن ولا تضطرب نفس ولا تطمئن إلا ويكون عنده خبرها، وهو بمعنى "العليم"، إلا أن العلم إذا أضيف إلى الخفايا الباطنة سمي خبرة، وسمي صاحبها خبيرا .

(أرشدك على الاستدلال بالخلق) الذي هو الإيجاد على وفق التقدير (على العلم) الذي هو الإحاطة بكل شيء على ما هو علمه، دون سبق خفاء محصول الأشياء عنده، بلا انتزاع صورة ولا انفعال ولا اتصاف بكيفية (لأنك لا تستريب) أي: لا تشك (في دلالة الخلق اللطيف) والإيجاد المنيف (والصنع المزين) بالترتيب الغريب (ولو في الشيء الحقير اللطيف على علم الصانع) جل وعلا (بكيفية الترتيب والترصيف) ولما كان برهانه عين برهان الأصل الأول، ذكرهما أبو الخير القزويني في "محجة الحق"، وغيره من الأئمة في أصل واحد، كما أشرنا إليه .




الخدمات العلمية