الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين .

عطف على قوله وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم لأنه في معنى أنذرهم ولازمهم وإن كره ذلك متكبرو المشركين . فقد أجريت عليهم هنا صلة أخرى هي أنسب بهذا الحكم من الصلة التي قبلها ، كما أن تلك أنسب بالحكم الذي اقترنت معه منها بهذا ، فلذلك لم يسلك طريق الإضمار ، فيقال : ولا تطردهم ، فإن النبيء - صلى الله عليه وسلم - جاء داعيا إلى الله فأولى الناس بملازمته الذين هجيراهم دعاء الله تعالى بإخلاص فكيف يطردهم فإنهم أولى بذلك المجلس ، كما قال تعالى إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه .

روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال : كنا مع النبيء ستة نفر ، فقال المشركون للنبيء : اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا . قال : وكنت أنا ، وابن مسعود ، ورجل من هذيل ، وبلال ، ورجلان ، لست أسميهما ، فوقع في نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله أن يقع ، فحدث نفسه فأنزل الله تعالى ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه آهـ . وسمى الواحدي بقية الستة : وهم صهيب ، وعمار بن ياسر ، والمقداد [ ص: 246 ] بن الأسود ، وخباب بن الأرت . وفي قول ابن مسعود : فوقع في نفس رسول الله ما شاء الله - إجمال بينه ما رواه البيهقي أن رؤساء قريش قالوا لرسول الله : لو طردت هؤلاء الأعبد وأرواح جبابهم - جمع جبة - جلسنا إليك وحادثناك . فقال : ما أنا بطارد المؤمنين . فقالوا : فأقمهم عنا إذا جئنا فإذا قمنا فأقعدهم معك إن شئت ، فقال : نعم ، طمعا في إيمانهم . . فأنزل الله هذه الآية . ووقع في سنن ابن ماجه عن خباب أن قائل ذلك للنبيء - صلى الله عليه وسلم - الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن ، وأن ذلك سبب نزول الآية ، وقال ابن عطية : هو بعيد لأن الآية مكية . وعيينة والأقرع إنما وفدا مع وفد بني تميم بالمدينة سنة الوفود . اهـ . قلت : ولعل ذلك وقع منهما فأجابهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذه الآية التي نزلت في نظير اقتراحهما .

وفي سنده أسباط بن نصر أو نضر ، ولم يكن بالقوي ، وفيه السدي ضعيف . وروي مثله في بعض التفاسير عن سلمان الفارسي ، ولا يعرف سنده . وسمى ابن إسحاق أنهم المستضعفون من المؤمنين وهم : خباب ، وعمار ، وأبو فكيهة ، يسار مولى صفوان بن أمية بن محرث ، وصهيب وأشباههم ، وأن قريشا قالوا : أهؤلاء الذين من الله عليهم من بيننا .

وذكر الواحدي في أسباب النزول : أن هذه الآية نزلت في حياة أبي طالب . فعن عكرمة قال : جاء عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، ومطعم بن عدي ، والحارث بن نوفل ، في أشراف بني عبد مناف إلى أبي طالب فقالوا : لو أن ابن أخيك محمدا يطرد عنه موالينا وعبيدنا وعتقاءنا كان أعظم في صدورنا وأطمع له عندنا وأرجى لاتباعنا إياه وتصديقنا له . فأتى أبو طالب إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - فحدثه بالذي كلموه ، فقال عمر بن الخطاب : لو فعلت ذلك حتى ننظر ما الذي يريدون وإلام يصيرون من قولهم ، فأنزل الله هذه الآيات . فلما نزلت أقبل عمر يعتذر . والمعنى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحرصه على إيمان عظماء قريش ليكونوا قدوة لقومهم ولعلمه بأن أصحابه يحرصون حرصه ولا يوحشهم أن يقاموا من المجلس إذا حضره عظماء قريش لأنهم آمنوا يريدون وجه الله لا للرياء والسمعة ؛ ولكن الله نهاه عن ذلك ، وسماه طردا تأكيدا لمعنى النهي ، وذلك لحكمة : وهي كانت أرجح من الطمع في إيمان أولئك ، لأن الله اطلع على [ ص: 247 ] سرائرهم فعلم أنهم لا يؤمنون ، وأراد الله أن يظهر استغناء دينه ورسوله عن الاعتزاز بأولئك الطغاة القساة ، وليظهر لهم أن أولئك الضعفاء خير منهم ، وأن الحرص على قربهم من الرسول صلى الله عليه وسلم أولى من الحرص على قرب المشركين ، وأن الدين يرغب الناس فيه وليس هو يرغب في الناس كما قال تعالى يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين .

ومعنى يدعون ربهم يعلنون إيمانهم به دون الأصنام إعلانا بالقول ، وهو يستلزم اعتقاد القائل بما يقوله ، إذ لم يكن يومئذ نفاق وإنما ظهر المنافقون بالمدينة .

والغداة : أول النهار . والعشي من الزوال إلى الصباح . والباء للظرفية . والتعريف فيهما تعريف الجنس . والمعنى أنهم يدعون الله اليوم كله . فالغداة والعشي قصد بهما استيعاب الزمان والأيام كما يقصد بالمشرق والمغرب استيعاب الأمكنة . وكما يقال : الحمد لله بكرة وأصيلا ، وقيل : أريد بالدعاء الصلاة . وبالغداة والعشي عموم أوقات الصلوات الخمس . فالمعنى ولا تطرد المصلين ، أي المؤمنين .

وقرأ الجمهور بالغداة بفتح الغين وبألف بعد الدال . وقرأه ابن عامر بضم الغين وسكون الدال وبواو ساكنة بعد الدال وهي لغة في الغداة .

وجملة يريدون وجهه حال من الضمير المرفوع في يدعون ، أي يدعون مخلصين يريدون وجه الله ، أي لا يريدون حظا دنيويا .

والوجه حقيقة الجزء من الرأس الذي فيه العينان والأنف والفم . ويطلق الوجه على الذات كلها مجازا مرسلا .

والوجه هنا مستعار للذات على اعتبار مضاف ، أي يريدون رضى الله ، أي يريدون إرضاء غيره . ومنه قوله تعالى إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ، وقوله فأينما تولوا فثم وجه الله ، وتقدم في سورة البقرة . فمعنى يريدون وجهه أنهم آمنوا ودعوا الله لا يريدون بذلك عرضا من الدنيا . وقد قيل : إن قريشا طعنوا في إيمان الضعفاء ونسبوهم إلى النفاق ، إلا أن هذا لم يرد به أثر صحيح ، فالأظهر أن قوله [ ص: 248 ] يريدون وجهه ثناء عليهم بكمال إيمانهم ، وشهادة لهم بأنهم مجردون عن الغايات الدنيوية كلها ، وليس المقصود به الرد على المشركين .

وجملة ما عليك من حسابهم من شيء تعليل للنهي عن طردهم ، أو إبطال لعلة الهم بطردهم ، أو لعلة طلب طردهم . فإن إبطال علة فعل المنهي عنه يئول إلى كونه تعليلا للنهي ، ولذا فصلت هذه الجملة .

والحساب : عد أفراد الشيء ذي الأفراد ويطلق على إعمال النظر في تمييز بعض الأحوال عن بعض إذا اشتبهت على طريقة الاستعارة بتشبيه تتبع الأحوال بعد الأفراد . ومنه جاء معنى الحسبة بكسر الحاء ، وهي النظر في تمييز أحوال أهل السوق من استقامة وضدها . ويقال : حاسب فلانا على أعماله إذا استقراها وتتبعها . قال النابغة :


يحاسب نفسه بكم اشتراها

فالحساب هنا مصدر حاسب . والمراد به تتبع الأعمال والأحوال والنظر فيما تقابل به من جزاء .

وضمير الجمع في قوله من حسابهم وقوله وما من حسابك عليهم يجوز أن يكونا عائدين إلى الذين يدعون ربهم وهو معاد مذكور ، وهو المناسب لتناسق الضمائر مع قوله فتطردهم . فالمعنى أنهم أهل الحق في مجلسك لأنهم مؤمنون فلا يطردون عنه وما عليك أن تحسب ما عدا ذلك من الأمور العارضة لهم بزعم المشركين ، وأن حضور أولئك في مجلسك يصد كبراء المشركين عن الإيمان ، أي أن ذلك مدحوض تجاه حق المؤمنين في مجلس رسولهم وسماع هديه .

وقيل معنى ما عليك من حسابهم أن المشركين طعنوا في إخلاص هؤلاء النفر ، قالوا : يا محمد إن هؤلاء إنما اجتمعوا عندك وقبلوا دينك لأنهم يجدون مأكولا وملبوسا عندك ، فقال الله تعالى : ما يلزمك إلا اعتبار ظاهرهم وإن كان لهم باطن يخالفه فحسابهم على الله ، أي إحصاء أحوالهم ومناقشتهم عليها على نحو قول نوح إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون . فمعنى حسابهم على هذا الوجه تمحيص [ ص: 249 ] نياتهم وبواطنهم . والقصد من هذا تبكيت المشركين على طريقة إرخاء العنان ، وليس المراد استضعاف يقين المؤمنين . وحسابهم على هذا الوجه من إضافة المصدر إلى مفعوله .

ويجوز أن يكون الضميران عائدين إلى غير مذكور في الكلام ولكنه معلوم من السياق الذي أشار إليه سبب النزول ، فيعود الضميران إلى المشركين الذين سألوا طرد ضعفاء المؤمنين من مجلس النبيء صلى الله عليه وسلم فيكون ضمير فتطردهم عائدا إلى المؤمنين . ويختلف معاد الضميرين اعتمادا على ما يعنيه سياق الكلام ، كقوله تعالى وعمروها أكثر مما عمروها ، وقول عباس بن مرداس في وقعة حنين :


عدنا ولولا نحن أحدق جمعهم     بالمسلمين وأحرزوا ما جمعوا

أي أحرز المشركون ما جمعه المسلمون من الغنائم .

والمعنى : ما عليك من حساب المشركين على الإيمان بك أو على عدم الإيمان شيء ، فإن ذلك موكول إلي فلا تظلم المؤمنين بحرمانهم حقا لأجل تحصيل إيمان المشركين ، فيكون من باب قوله تعالى إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا .

وعلى هذا الوجه يجوز كون إضافة حسابهم من إضافة المصدر إلى مفعوله ، أي محاسبتك إياهم . ويجوز كونها من إضافته إلى فاعله ، أي من حساب المشركين على هؤلاء المؤمنين فقرهم وضعفهم .

وعليك خبر مقدم ، و ( على ) فيه دالة على معنى اللزوم والوجوب لأن الرسول عليه الصلاة والسلام هم أو كان بحيث يهم بإجابة صناديد قريش لما سألوه ، فيكون تنبيها على أن تلك المصلحة مدحوضة .

و ( من ) في قوله من شيء زائدة لتوكيد النفي للتنصيص على الشمول في سياق النفي ، وهو الحرف الذي بتقديره بني اسم ( لا ) على الفتح للدلالة على إرادة نفي الجنس .

[ ص: 250 ] وتقديم المسندين على المسند إليهما في قوله ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء تقديم غير واجب لأن للابتداء بالنكرتين هنا مسوغا ، وهو وقوعهما في سياق النفي ، فكان تقديم المجرورين هنا اختياريا فلا بد له من غرض . والغرض يحتمل مجرد الاهتمام ويحتمل الاختصاص . وحيث تأتى معنى الاختصاص هنا فاعتباره أليق بأبلغ كلام ، ولذلك جرى عليه كلام الكشاف . وعليه فمعنى الكلام قصر نفي حسابهم على النبيء صلى الله عليه وسلم ليفيد أن حسابهم على غيره وهو الله تعالى . وذلك هو مفاد القصر الحاصل بالتقديم إذا وقع في سياق النفي ، وهو مفاد خفي على كثير لقلة وقوع القصر بواسطة التقديم في سياق النفي . ومثاله المشهور قوله تعالى لا فيها غول فإنهم فسروه بأن عدم الغول مقصور على الاتصاف بفي خمور الجنة ، فالقصر قصر قلب .

وقد اجتمع في هذا الكلام خمسة مؤكدات وهي ( من ) البيانية ، و ( من ) الزائدة ، وتقديم المعمول ، وصيغة الحصر في قوله ما عليك من حسابهم من شيء ، والتأكيد بالتتميم بنفي المقابل في قوله وما من حسابك عليهم من شيء فإنه شبيه بالتوكيد اللفظي . وكل ذلك للتنصيص على منتهى التبرئة من محاولة إجابتهم لاقتراحهم .

ويفيد هذا الكلام التعريض برؤساء قريش الذين سألوا إبعاد الفقراء عن مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام حين ما يحضرون وأوهموا أن ذلك هو الحائل لهم دون حضور مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام والإيمان به والكون من أصحابه ، فخاطب الله رسوله بهذا الكلام إذ كان الرسول هو المسئول أن يقصي أصحابه عن مجلسه ليعلم السائلون أنهم سألوه ما لا يقع ويعلموا أن الله أطلع رسوله صلى الله عليه وسلم على كذبهم ، وأنهم لو كانوا راغبين في الإيمان لما كان عليهم حساب أحوال الناس ولاشتغلوا بإصلاح خويصتهم ، فيكون الخطاب على نحو قوله تعالى لئن أشركت ليحبطن عملك . وقد صرح بذلك في قوله بعد ولتستبين سبيل المجرمين . وإذ كان القصر ينحل على نسبتي إثبات ونفي فالنسبة المقدرة مع القصر وهي نسبة الإثبات ظاهرة من الجمع بين ضمير المخاطب وضمير الغائبين ، أي عدم حسابهم مقصور عليك ، فحسابهم على أنفسهم إذ كل نفس بما كسبت رهينة .

وقد دل على هذا أيضا قوله بعده وما من حسابك عليهم من شيء فإنه ذكر [ ص: 251 ] لاستكمال التعليل ، ولذلك عطف على العلة ، لأن مجموع مدلول الجملتين هو العلة ، أي حسابهم ليس عليك كما أن حسابك ليس عليهم بل على نفسك ، إذ كل نفس بما كسبت رهينة ، ولا تزر وازرة وزر أخرى . فكما أنك لا تنظر إلا إلى أنهم مؤمنون ، فهم كذلك لا يطلب منهم التفريط في حق من حقوق المؤمنين لتسديد رغبة منك في شيء لا يتعلق بهم أو لتحصيل رغبة غيرهم في إيمانه . وتقديم المسند على المسند إليه هنا كتقديمه في نظيره السابق .

وفي قوله وما من حسابك عليهم من شيء تعريض بالمشركين بأنهم أظهروا أنهم أرادوا بطرد ضعفاء المؤمنين عن مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم النصح له ليكتسب إقبال المشركين عليه والإطماع بأنهم يؤمنون به فيكثر متبعوه .

ثم بهذا يظهر أن ليس المعنى : بل حسابهم على الله وحسابك على الله ، لأن هذا غير مناسب لسياق الآية ، ولأنه يصير به قوله وما من حسابك عليهم من شيء مستدركا في هذا المقام ، ولذلك لم يتكرر نظير هذه الجملة الثانية مع نظير الجملة الأولى فيما حكى الله عن نوح إن حسابهم إلا على ربي في سورة الشعراء لأن ذلك حكي به ما صدر من نوح وما هنا حكي به كلام الله تعالى لرسوله ، فتنبه .

ويجوز أن يكون تقديم المسند في الموضعين من الآية لمجرد الاهتمام بنفي اللزوم والوجوب الذي دل عليه حرف ( على ) في الموضعين ، لا سيما واعتبار معنى القصر في قوله وما من حسابك عليهم من شيء غير واضح ، لأننا إذا سلمنا أن يكون للرسول عليه الصلاة والسلام شبه اعتقاد لزوم تتبع أحوالهم فقلب ذلك الاعتقاد بالقصر ، لا نجد ذلك بالنسبة إلى الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي إذ لا اعتقاد لهم في هذا الشأن .

وقدم البيان على المبين في قوله وما من حسابك عليهم من شيء لأن الأهم في المقامين هو ما يختص بالمخاطب المعرض فيه بالذين سألوه الطرد لأنه المقصود بالذات ، وإنما جيء بالجملة الثانية لاستكمال التعليل كما تقدم .

وقوله فتطردهم منصوب في جواب النهي الذي في قوله ولا تطرد الذين يدعون ربهم . وإعادة فعل الطرد دون الاقتصار على قوله فتكون من الظالمين ، [ ص: 252 ] لإفادة تأكيد ذلك النهي وليبنى عليه قوله فتكون من الظالمين لوقوع طول الفصل بين التفريع والمفرع عليه . فحصل بإعادة فعل فتطردهم غرضان لفظي ومعنوي . على أنه يجوز أن يجعل فتطردهم منصوبا في جواب النفي من قوله ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء ، أي لا تطردهم إجابة لرغبة أعدائهم .

وقوله فتكون من الظالمين عطف على فتطردهم متفرع عليه ، أي فتكون من الظالمين بطردهم ، أي فكونه من الظالمين منتف تبعا لانتفاء سببه وهو الطرد .

وإنما جعل طردهم ظلما لأنه لما انتفى تكليفه بأن يحاسبهم صار طردهم لأجل إرضاء غيرهم ظلما لهم . وفيه تعريض بالذين سألوا طردهم لإرضاء كبريائهم بأنهم ظالمون مفرطون على الظلم ; ويجوز أن يجعل قوله فتكون من الظالمين منصوبا في جواب النهي ، ويجعل قوله فتطردهم جيء به على هذا الأسلوب لتجديد ربط الكلام لطول الفصل بين النهي وجوابه بالظرف والحال والتعليل ; فكان قوله فتطردهم كالمقدمة لقوله فتكون من الظالمين وليس مقصودا بالذات للجوابية ; فالتقدير : فتكون من الظالمين بطردهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية