الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن المتقين الذين كانوا يمتثلون أوامر ربهم ، ويجتنبون نواهيه تتوفاهم الملائكة ; أي : يقبضون أرواحهم في حال كونهم طيبين ، أي : طاهرين من الشرك والمعاصي - على أصح التفسيرات - ويبشرونهم بالجنة ، ويسلمون عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وبين هذا المعنى أيضا في غير هذا الموضع ; كقوله : إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون [ 41 \ 30 ] ، وقوله : وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين [ 39 \ 73 ] ، وقوله : والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار [ 13 \ 23 - 24 ] ، والبشارة عند الموت ، وعند دخول الجنة من باب واحد ; لأنها بشارة بالخير بعد الانتقال إلى الآخرة . ويفهم من صفات هؤلاء الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ، ويقولون لهم : سلام عليكم ادخلوا الجنة - أن الذين لم يتصفوا بالتقوى لم تتوفهم الملائكة على تلك الحال الكريمة ، ولم تسلم عليهم ، ولم تبشرهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد بين تعالى هذا المفهوم في مواضع أخر ; كقوله : الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم الآية [ 16 \ 28 ] ، وقوله : إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم ، إلى قوله وساءت مصيرا [ 4 \ 97 ] ، وقوله : ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم الآية [ 8 \ 50 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم [ 16 \ 28 ] ، وقوله : تتوفاهم الملائكة طيبين [ 16 \ 32 ] ، قرأهما عامة القراء غير حمزة : " تتوفاهم " بتاءين فوقيتين . وقرأ حمزة " يتوفاهم " بالياء في الموضعين .

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه .

                                                                                                                                                                                                                                      أسند هنا - جل وعلا - التوفي للملائكة في قوله : تتوفاهم الملائكة [ 16 \ 32 ] [ ص: 374 ] وأسنده في " السجدة " ، لملك الموت في قوله : قل يتوفاكم ملك الموت [ 32 \ 11 ] ، وأسنده في " الزمر " إلى نفسه - جل وعلا - في قوله : الله يتوفى الأنفس حين موتها الآية [ 39 \ 42 ] ، وقد بينا في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ) في سورة " السجدة " : أنه لا معارضة بين الآيات المذكورة ، فإسناده التوفي لنفسه ; لأنه لا يموت أحد إلا بمشيئته تعالى ، كما قال : وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا [ 3 \ 145 ] ، وأسنده لملك الموت ; لأنه هو المأمور بقبض الأرواح ، وأسنده إلى الملائكة ; لأن لملك الموت أعوانا من الملائكة ينزعون الروح من الجسد إلى الحلقوم فيأخذها ملك الموت ، كما قاله بعض العلماء . والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية