الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 112 - 113 ] فصل في تكفينه ( nindex.php?page=treesubj&link=2102_2121_17647السنة أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب إزار وقميص ولفافة ) لما روي { nindex.php?page=hadith&LINKID=64928أنه عليه الصلاة والسلام كفن [ ص: 114 ] في ثلاثة أثواب بيض سحولية } ولأنه أكثر ما يلبسه عادة في حياته فكذا بعد مماته ( فإن اقتصروا على ثوبين جاز ، والثوبان إزار ولفافة ) وهذا كفن الكفاية لقول nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر : اغسلوا ثوبي هذين وكفنوني فيهما ، ولأنه أدنى لباس [ ص: 115 ] الأحياء ، والإزار من القرن إلى القدم ، واللفافة كذلك ، والقميص من أصل العنق إلى القدم
[ ص: 113 ] ( فصل في التكفين ) nindex.php?page=treesubj&link=2090_2124هو فرض على الكفاية ، ولذا قدم على الدين ، فإن كان الميت موسرا وجب في ماله ، وإن لم يترك شيئا فالكفن على من تجب عليه نفقته إلا الزوج في قول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد . وعند nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف يجب على الزوج ولو تركت مالا وعليه الفتوى ، كذا في غير موضع . وإذا تعدد من وجبت النفقة عليه على ما يعرف في النفقات فالكفن عليهم على قدر ميراثهم كما كانت النفقة واجبة عليهم . ولو nindex.php?page=treesubj&link=2124كان معتق شخص ولم يترك شيئا وترك خالة موسرة يؤمر معتقه بتكفينه ; وقال nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد : على خالته ، وإن لم يكن له من تجب عليه نفقته فكفنه في بيت المال ، فإن لم يعط ظلما أو عجزا فعلى الناس ، ويجب عليهم أن يسألوا له ، بخلاف الحي إذا لم يجد ثوبا يصلي فيه لا يجب على الناس أن يسألوا له بل يسأل هو ; فلو جمع رجل الدراهم لذلك ففضل شيء منها إن عرف صاحب الفضل رده عليه ، وإن لم يعرف كفن محتاجا آخر به ، فإن لم يقدر على صرفها إلى الكفن يتصدق بها . ولو مات في مكان ليس فيه إلا رجل واحد ليس له إلا ثوب واحد ولا شيء للميت ; له أن يلبسه ولا يكفن به الميت ، وإذا nindex.php?page=treesubj&link=2147_2261نبش الميت وهو طري كفن ثانيا من جميع المال ، فإن كان قسم ماله فالكفن على الوارث دون الغرماء وأصحاب الوصايا ، فإن لم يكن فضل عن الدين شيء من التركة ، فإن لم يكن الغرماء قبضوا ديونهم بدئ بالكفن ، وإن كانوا قبضوا لا يسترد منهم شيء وهو في بيت المال . ولا يخرج الكفن عن ملك المتبرع به ، فلذا لو كفن رجلا ثم رأى الكفن مع شخص كان له أن يأخذه ، وكذا إذا افترس الميت سبع كان الكفن لمن كفنه لا للورثة
( قوله لما روي أنه صلى الله عليه وسلم كفن ) في الكتب الستة عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت : { nindex.php?page=hadith&LINKID=64839كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة } وسحول : قرية باليمن ، وفتح السين هو المشهور ، وعن الأزهري الضم . فإن حمل على أن المراد أن لبس القميص من هذه الثلاثة بل خارج عنها كما قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رحمه الله لزم كون السنة أربعة أثواب ، وهو مردود بما في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن أبي بكر قال nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة رضي الله عنها : { nindex.php?page=hadith&LINKID=82717في كم ثوب كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت في ثلاثة أثواب } وإن عورض بما رواه ابن عدي في الكامل عن nindex.php?page=showalam&ids=98جابر بن سمرة رضي الله عنه قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=64840كفن [ ص: 114 ] النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب : قميص ، وإزار ، ولفافة } فهو ضعيف بناصح بن عبد الله الكوفي ، ولينه nindex.php?page=showalam&ids=15395النسائي ، ثم إن كان ممن يكتب حديثه لا يوازي حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة . وما روى nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة عن nindex.php?page=showalam&ids=15741حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي { nindex.php?page=hadith&LINKID=64842أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في حلة يمانية وقميص } مرسل ، والمرسل وإن كان حجة عندنا لكم ما وجه تقديمه على حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، فإن أمكن أن يعادل حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة بحديث القميص بسبب تعدد طرقه منها الطريقان اللذان ذكرنا . وما أخرج nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري نحوه مرسلا . وما روى أبو داود عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=64841كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب : قميصه الذي مات فيه ، وحلة نجرانية } وهو مضعف nindex.php?page=showalam&ids=17347بيزيد بن أبي زياد . ثم ترجح بعد المعادلة بأن الحال في تكفينه أكشف للرجال ثم البحث وإلا ففيه تأمل . وقد ذكروا { nindex.php?page=hadith&LINKID=82718أنه عليه الصلاة والسلام غسل في قميصه الذي توفي فيه } فكيف يلبسونه الأكفان فوقه وفيه بللها ؟ والله سبحانه أعلم . والحلة في عرفهم مجموع ثوبين إزار ورداء ، وليس في الكفن عمامة عندنا ، واستحسنها بعضهم لما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه كان يعممه ويجعل العذبة على وجهه وأحبها البياض ولا بأس بالبرود والعصب والكتان للرجال ، nindex.php?page=treesubj&link=2099_2094_2104_2105_2121ويجوز للنساء الحرير والمزعفر والمعصفر اعتبارا للكفن باللباس في الحياة والمراهق في التكفين كالبالغ ، والمراهقة كالبالغة
( قوله ولأنه ) أي عدد الثلاث أكثر ما يلبسه عادة في حياته فكذا بعد مماته ، فأفاد أن أكثر ما يكفن فيه الرجل ثلاثة ، وصرح بأن أكثر ما يكفن فيه الرجل ثلاثة غير واحد من المصنفين . وقد يقال : مقتضاه أنه إذا مات ولم يترك سوى ثلاثة أثواب هو لابسها ليس غير وعليه ديون يعطى لرب الدين ثوب منها لأن الأكثر ليس بواجب بل هو المسنون ، وقد قالوا : إذا كان بالمال كثرة وبالورثة قلة فكفن السنة أولى من كفن الكفاية ، وهذا يقتضي أن كفن الكفاية وهو الثوبان جائز في حالة السعة ، ففي حال عدمها ووجود الدين ينبغي أن لا يعدل عنه تقديما للواجب ، وهو الدين على غير الواجب وهو الثلاثة ، لكنهم سطروا في غير موضع أنه لا يباع منه شيء للدين كما في حال الحياة إذا أفلس وله ثلاثة أثواب هو لابسها لا ينزع عنه شيء فيباع ولا يبعد الجواب
( قوله فإن اقتصروا على ثوبين جاز ) إلا أنه كان بالمال قلة وبالورثة كثرة فهو أولى ، وعلى القلب كفن السنة أولى ، وكفن الكفاية أقل ما يجوز عند الاختيار ، وفي حالة الضرورة بحسب ما يوجد
( قوله لقول nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر ) روى الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في كتاب الزهد : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون ، أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=12428إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله التميمي مولى الزبير بن العوام عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها قالت : لما احتضر رضي الله عنه تمثلت بهذا البيت :
أعاذل ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
وروى nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن الزهري عن عروة عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت : " قال nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر لثوبيه اللذين كان يمرض فيهما : اغسلوهما وكفنوني فيهما ، فقالت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : ألا نشتري لك جديدا ؟ قال لا ، الحي أحوج إلى الجديد من الميت " . وفي الفروع : الغسيل والجديد سواء في الكفن . [ ص: 115 ] ذكره في التحفة . هذا وفي nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري غير هذا عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أن nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر قال لها { nindex.php?page=hadith&LINKID=82719في كم كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ، قال في أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت يوم الاثنين ، قال فأي يوم هذا ؟ قلت يوم الاثنين ، قال أرجو فيما بيني وبين الليل فنظر إلى ثوب عليه كان يمرض فيه به ردع من زعفران فقال : اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين وكفنوني فيها . قلت : إن هذا خلق ، قال الحي أحق بالجديد من الميت إنما هو المهلة ، فلم يتوف حتى أمسى من ليلة الثلاثاء ودفن قبل أن تصبح } . والردع بالمهملات الأثر ، والمهلة مثلث الميم : صديد الميت ، فإن وقع التعارض في حديث أبي بكر هذا حتى وجب تركه لأن سند nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق لا ينقص عن سند nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، فحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في الكتب الستة في المحرم الذي وقصته ناقته قال فيه عليه الصلاة والسلام " وكفنوه في ثوبين " وفي لفظ " وفي ثوبيه " واعلم أن الجمع ممكن ، فلا يترك بأن يحمل ما في nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق وغيره من حديث أبي بكر . على أنه ذكر بعض المتن دون كله بخلاف ما في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وحينئذ فيكون حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس هو الشاهد ، لكن رواية ثوبيه تقتضي أنه لم يكن له معه غيرهما فلا يفيد كونه كفن الكفاية ، بل قد يقال : إنما كان ذلك للضرورة فلا يستلزم جواز الاقتصار على ثوبين حال القدرة على الأكثر ، إلا أنه خلاف الأولى كما هو كفن الكفاية ، والله سبحانه أعلم
( قوله والإزار من القرن إلى القدم ، واللفافة كذلك ) لا إشكال في أن اللفافة من القرن إلى القدم ، وأما كون الإزار كذلك ففي نسخ من المختار وشرحه اختلاف في بعضها : يقمص أولا وهو من المنكب إلى القدم ، ويوضع على الإزار وهو من القرن إلى القدم ، ويعطف عليه إلى آخره . وفي بعضها : يقمص ويوضع على الإزار وهو من المنكب إلى القدم ، ثم يعطف ، وأنا لا أعلم وجه مخالفة إزار الميت إزار الحي من السنة ، وقد قال عليه الصلاة والسلام في ذلك المحرم " كفنوه في ثوبيه " وهما ثوبا إحرامه إزاره ورداؤه ، ومعلوم أن إزاره من الحقو ، وكذا أعطى اللاتي غسلن ابنته حقوه على ما سنذكر ( قوله والقميص من أصل العنق ) بلا جيب ودخريص وكمين وكذا في الكافي ، وكونه بلا جيب بعيدا ، إلا أن يراد بالجيب الشق النازل على الصدر