الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 486 ] 784 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تركه الصلاة على من قتل نفسه .

4960 - حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا إسحاق بن منصور ، قال : حدثنا إسرائيل وشريك وزهير ، عن سماك ، عن جابر بن سمرة أن رجلا نحر نفسه بمشقص ، فلم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 487 ]

4961 - وحدثنا إسماعيل بن حمدويه البيكندي ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال : حدثنا زهير ، قال : حدثنا سماك ، قال : حدثنا جابر بن سمرة ، قال : مرض رجل فصيح عليه فجاء جاره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنه قد مات ، قال : وما يدريك ، قال : أنا رأيته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه لم يمت ، فرجع فصيح عليه ، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنه مات ، فقال : إنه لم يمت فرجع الرجل فصيح عليه ، فقالت امرأته : انطلق إلى رسول الله فأخبره ، فقال الرجل : اللهم العنه ، ثم انطلق إلى الرجل فرآه قد نحر نفسه بمشاقص معه ، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قد مات ، قال : وما يدريك ، قال : رأيته نحر نفسه بمشاقصه ، قال : أنت رأيته ؟ قال : نعم ، قال : إذن لا أصلي عليه .

[ ص: 488 ] فكان في هذا الحديث ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركه الصلاة على ذلك الرجل لقتله نفسه .

وهذه مسألة قد اختلف أهل العلم فيها : فطائفة تذهب إلى أنه يصلى على من هذه سبيله ، منهم : إبراهيم النخعي وأبو حنيفة وأصحابه .

وطائفة تقول : لا يصلى عليه ، وتحتج بهذا الحديث .

فتأملنا هذا الحديث فوجدنا : ترك الصلاة عليه إنما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا من الناس جميعا ، وقد يحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه لفعله المذموم الذي كان منه بنفسه ، وكان من شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يصلي على المذمومين من أمته ، وأن يصلي عليهم غيره ، كما قد روي عنه في الذي قتل بخيبر معه من أمره الناس بالصلاة عليه وتركه ذلك ، ومن تغير وجوههم عند ذلك ، ومن قوله لهم : إن صاحبكم غل في سبيل الله ، ففتش متاعه فوجد فيه خرز من خرز يهود لا يساوي درهمين ، وقد ذكرنا ذلك بإسناده فيما تقدم منا في كتابنا هذا .

وكما قد روي عنه : أنه كان إذا أتي بالرجل ليصلي عليه ، سأل أعليه دين ؟ فإن قالوا : لا ، صلى عليه ، وإن قالوا : نعم ، قال : هل ترك له وفاء ، فإن قالوا : نعم ، صلى عليه ، وإن قالوا : لا ، قال : [ ص: 489 ] صلوا على صاحبكم .

وكان تركه للصلاة على من ذكر تركه الصلاة عليه فيما ذكرنا ، ليس على منع منه الناس سواه أن يصلوا عليه ، وكان تركه الصلاة عليه ; لأن من سنة الصلاة على الموتى سؤاله الله لهم الجنة ، وكان من كان منه ما كان ممن امتنع من الصلاة عليه يحول بينه وبين الجنة ، إما لذنبه وإما لدينه الذي عليه ، فترك الصلاة عليهم لذلك ; لأن صلاته على من يصلي عليه رحمة ، وصلى عليهم غيره ممن ليست صلاته في هذا المعنى كصلاته صلى الله عليه وسلم فيه .

وكذلك القاتل لنفسه ترك الصلاة عليه لما كان منه مما يمنعه مما سئل للمصلى عليهم ، ولم يمنع من ذلك غيره ممن ليست صلاته عليه ، كصلاته هو صلى الله عليه وسلم ، والله - عز وجل - نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية