الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          في الخلطة

                                                                                                                          وإذا اختلط نفسان ، أو أكثر من أهل الزكاة في نصاب من الماشية حولا ، لم يثبت لهما حكم الانفراد في بعضه ، فحكمها في الزكاة حكم الواحد سواء كانت خلطة أعيان ، بأن يكون مشاعا بينهما ، أو خلطة أوصاف بأن يكون مال كل واحد منهما متميزا ، فاشتركا في المراح ، والمسرح ، والمشرب ، والمحلب ، والراعي ، والفحل ، فإن اختل شرط منها أو ثبت لهما الانفراد في بعض الحول زكيا زكاة المنفردين فيه ، وإن ثبت لأحدهما حكم الانفراد وحده فعليه زكاة المنفرد ، وعلى الثاني زكاة الخلطة ، ثم يزكيان فيما بعد ذلك الحول زكاة الخلطة ، كلما تم حول أحدهما فعليه بقدر ما له منها .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          في الخلطة

                                                                                                                          بضم الخاء : الشركة ؛ وهي جائزة في الجملة ، لما روى الترمذي عن سالم عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في كتاب الصدقة : " لا يجمع بين متفرق ، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ، وما كان من خليطين ، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية " ورواه البخاري من حديث أنس ( وإذا اختلط نفسان ) ؛ لأن أقل من ذلك الواحد ، ولا خلطة معه ( أو أكثر من أهل الزكاة ) فلو كان أحدهما مكاتبا أو ذميا فلا أثر لها ؛ لأنه لا زكاة في ماله ، فلم يكمل النصاب به ( في نصاب ) فلو كان المجموع أقل من نصاب فلا عبرة في ذلك ، سواء كان له مال غيره أو لا ، وظاهره الجواز فيما زاد عليه من باب أولى ( من الماشية ) فلا يؤثر في غيرها ، وسيأتي ( حولا لم يثبت لها حكم الانفراد في بعضه ) ؛ لأن الخلطة معنى يتعلق به إيجاب الزكاة ، فاعتبرت في جميع الحول ، كالنصاب ( فحكمها في الزكاة حكم الواحد ) ؛ لأنه لو لم يكن كذلك ، لما نهى الشارع عن جمع التفرق وعكسه [ ص: 327 ] خشية الصدقة ، وسواء أثرت في إيجاب الزكاة أو إسقاطها ، أو في تغيير الفرض ، فلو كان لأربعين من أهل الزكاة أربعون شاة ، أو لواحدة شاة ، وللآخر تسعة وثلاثون لزمهم شاة ، نص عليهما ، ومع الانفراد لا يلزمهم شيء ، ولو كان لثلاثة مائة وعشرون شاة ، لزمهم شاة ، ومع الانفراد ثلاث شياه ( سواء كانت خلطة أعيان ) ؛ لأن أعيانها مشتركة ( بأن يكون مشاعا بينهما ) بأن ملكاه بإرث أو شراء أو غيرها ( أو خلطة أوصاف بأن يكون مال كل واحد منها متميزا ) عن الآخر بصفة أو صفات ( واشتركا ) في الأوصاف الآتي ذكرها ، ويعتبر فيها أن لا يتميز ( في المراح ) بضم الميم : المكان الذي تروح إليه الماشية عند رجوعها فتبيت فيه ، ( والمسرح ) موضع الرعي ، وفسره صاحب " التلخيص " وغيره : موضع جمعها عند خروجها للرعي ( والمشرب ) بفتح الميم والراء : المكان الذي يشرب فيه ، وكذا ذكره أبو الخطاب وصاحب " التلخيص " ، و " الوجيز " ، ولم يذكره الأكثر ( والمحلب ) بفتح الميم واللام : الموضع يحلب فيه ، وبكسر الميم : الإناء ، والمراد الأول ؛ لأنه ليس المقصود خلط اللبن في إناء واحد ؛ لأنه ليس بمرفق ، بل مشقة لما فيه من الحاجة إلى قسم اللبن ، وربما أفضى إلى الربا ، وقيل : يلزم خلط اللبن ، وقيل : يشترط اتحاد الآنية ، جزم به في " الوجيز " ( والراعي ) كذا قاله أبو الخطاب وصاحب " الوجيز " و " المستوعب " وأسقط المحلب ، ( والفحل ) جزم به معظم الأصحاب ، والمراد به : المعد للضرب ، وليس المعتبر اتخاذه ، ولا أن يكون مشتركا ، بل أن لا يتميز فحول المالين عن الآخر عند الضرب . وجمع في " المحرر " [ ص: 328 ] و " الوجيز " بين المسرح والمرعى كالخرقي قال : ويحتمل أن الخرقي أراد بالرعي : الرعي الذي هو المصدر لا المكان ، وأنه أراد بالمسرح : المصدر الذي هو السروح لا المكان ، فإذا كان كذلك زال التكرار ، وحصل به اتحاد الراعي والمشرب ، وقال ابن حامد : المرعى والمسرح شرط واحد ، وإنما ذكر أحمد المسرح ليكون فيه راع واحد ، وقال في " الواضح " : " الفحل والراعي والمحلب ، وذكر الآمدي المراح والمسرح والفحل والمرعى ، وذكر القاضي أنه الراعي فقط ، وذكر رواية أنه يعتبر الراعي والمبيت فقط ، وفيه طرق أخرى ، واحتج الأصحاب لاعتبار ذلك بحديث سعد بن أبي وقاص قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " الخليطان ما اجتمعا على الحوض والفحل والراعي " رواه الخلال والدارقطني ، ورواه أبو عبيد ، وجعل بدل الراعي المرعى ، وضعفه أحمد ، فإنه من رواية ابن لهيعة ، فيتوجه العمل بالعرف في ذلك ، ويحتمل أن خلطة الأوصاف لا أثر لها ، كما يروى عن طاوس وعطاء لعدم الدليل ، والأصل اعتبار المال بنفسه ، ذكره في " الفروع " ، وظاهره أنه لا يشترط للخلطة نية ؛ وهي في خلطة الأعيان إجماع ، وكذا في خلطة الأوصاف في الأصح ، واحتج المؤلف بنية السوم في السائمة ، وكنية السقي في المعشرات ، واختار في " المحرر " أنها يعتبر فيها ؛ لأنها معنى يتغير به الفرض ، فافتقر إلى النية كالسوم ، وفائدة الخلاف في خلط وقع اتفاقا ، أو فعله راع وتأخر النية عن الملك ، وقيل : لا يضر تأخيرها بزمن يسير ( فإن اختل شرط منها ) بطل حكمها لفوات شرطها ، وصار وجودها كالعدم ، فيزكي كل واحد ماله إن [ ص: 329 ] بلغ نصابا وإلا فلا ( أو ثبت لها حكم الانفراد في بعض الحول ) كرجلين لكل واحد منهما نصاب ملكه في أول المحرم ثم اختلطا بعد ذلك ( زكيا زكاة المنفردين فيه ) يعني على كل واحد منهما عند تمام حوله شاة ، وفيما بعد ذلك من السنين يزكيان زكاة الخلطة ، فإن اتفق حولاهما أخرجا شاة عند تمام الحول نصفين ، وإن اختلف ، فعلى الأول عند تمام حوله نصف شاة ، وإذا تم حول الثاني ، فإن كان الأول أخرجها من غير المال ، فعلى الثاني نصف شاة أيضا ، وإن أخرجها من المال فقد تم حول الثاني على تسعة وسبعين شاة له منها أربعون شاة يلزمه أربعون جزءا من تسعة وسبعين جزءا ونصف جزء من شاة ، فيضعفها لتكون ثمانين جزءا من مائة وتسعة وخمسين جزءا من شاة ، كلما تم حول أحدهما لزمه من زكاة الجميع بقدر ما له فيه ( وإن ثبت لأحدهما حكم الانفراد وحده ) بأن يملك رجلان نصابين ، ثم يخلطاهما ، ثم يبيع أحدهما نصيبه أجنبيا بعد ملك المشتري أربعين ، ثم يثبت لها حكم الانفراد ، فإذا تم الحول ( فعليه زكاة المنفرد ) وهو شاة لثبوت حكم الانفراد من حقه ( وعلى الثاني ) إذا تم حوله ( زكاة الخلطة ) وهو نصف شاة لكونه لم يزل مخالطا في جميع الحول إن كان الأول أخرجها من غير المال ، وإن كان أخرج منه لزمه أربعون جزءا من تسعة وسبعين جزءا من شاة ( ثم يزكيان فيما بعد ذلك الحول زكاة الخلطة ) ؛ لأنها موجودة في جميع الحول بشروطها ( كلما تم حول أحدهما فعليه بقدر ما له منها ) أي : يزكي بقدر ملكه فيه ، وفيه تنبيه على أمرين ، أحدهما : أن من ثبت له حكم الانفراد في الحول الأول يزكي ما عليه عند تمام حوله الثاني ، ولا ينتظر [ ص: 330 ] حوله المشتري ؛ لأن الزكاة بعد حولان الحول لا يجوز تأخيرها ، وإن المشتري لا يجب عليه تقديم زكاته إلى رأس حول شريكه ؛ لأن تقديمها قبل حولان الحول لا يجب ، وثانيهما : أنه إذا كان لكل واحد نصاب ، فعلى كل منها نصف شاة ، فإن كان للأول أربعون ، وللثاني ثمانون ، فعلى الأول ثلث شاة ، وعلى الثاني ثلثاها ، ذكره ابن المنجا .

                                                                                                                          تنبيه : يثبت حكم الانفراد - أيضا - فيما إذا كان لأحدهما نصاب ، وللآخر دونه ، ثم يختلطان في أثناء الحول ، وكذا إذا أبدل نصابا منفردا بنصاب مختلط من جنسه ، وقلنا : لا ينقطع الحول به ، زكيا زكاة انفراد ، كمال واحد حصل الانفراد في أحد طرفي حوله ، وكذا لو اشترى أحد الخليطين بأربعين مختلطة أربعين منفردة ، وخلطها في الحال لوجود الانفراد من بعض الحول ، وقيل : يزكي زكاة خلطة ؛ لأنه يبني على حول خلطة ، وزمن الانفراد يسير .




                                                                                                                          الخدمات العلمية