الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله : ( يهدي من يشاء ، ويعصم ويعافي فضلا . ويضل من يشاء ، ويخذل ويبتلي عدلا ) .

ش : هذا رد على المعتزلة في قولهم بوجوب فعل الأصلح للعبد على الله ، وهي مسألة الهدى والضلال . قالت المعتزلة : الهدى من الله : بيان طريق الصواب ، والإضلال : تسمية العبد ضالا ، أو حكمه تعالى على العبد بالضلال عند خلق العبد الضلال في نفسه . وهذا مبني على أصلهم الفاسد : أن أفعال العباد مخلوقة لهم . والدليل على ما قلناه قوله تعالى : إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ( القصص : 56 ) . ولو كان الهدى بيان الطريق - لما صح هذا النفي عن نبيه ، لأنه صلى الله عليه وسلم بين الطريق لمن [ ص: 138 ] أحب وأبغض . وقوله تعالى : ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ( السجدة : 13 ) . يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ( المدثر : 31 ) . ولو كان الهدى من الله البيان ، وهو عام في كل نفس - لما صح التقييد بالمشيئة . وكذلك قوله تعالى : ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين ( الصافات : 57 ) . وقوله من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم ( الأنعام : 39 ) .

قوله : ( وكلهم يتقلبون في مشيئته ، بين فضله وعدله ) .

ش : فإنهم كما قال تعالى : هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ( التغابن : 2 ) . فمن هداه إلى الإيمان فبفضله ، وله الحمد ، ومن أضله فبعدله ، وله الحمد . وسيأتي لهذا المعنى زيادة إيضاح ، إن شاء الله تعالى ، فإن الشيخ رحمه الله لم يجمع الكلام في القدر في مكان واحد ، بل فرقه ، فأتيت به على ترتيبه .

قوله : ( وهو متعال عن الأضداد والأنداد ) .

ش : الضد : المخالف ، والند : المثل . فهو سبحانه لا معارض له ، بل ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، ولا مثل له ، كما قال تعالى : ولم يكن له كفوا أحد ( الإخلاص : 4 ) . ويشير الشيخ رحمه الله - بنفي الضد والند - إلى الرد على المعتزلة ، في زعمهم أن العبد يخلق فعله .

قوله : ( لا راد لقضائه ، ولا معقب لحكمه ، ولا غالب لأمره ) .

ش : أي : لا يرد قضاء الله راد ، ولا يعقب ، أي لا يؤخر حكمه ، مؤخر ، ولا يغلب أمره غالب ، بل هو الله الواحد القهار .

[ ص: 139 ] قوله : ( آمنا بذلك كله ، وأيقنا أن كلا من عنده ) ش : أما الإيمان فسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى . والإيقان : الاستقرار ، من يقن الماء في الحوض إذا استقر . والتنوين في ( كلا ) بدل الإضافة ، أي : كل كائن محدث من عند الله ، أي : بقضائه وقدره وإرادته ومشيئته وتكوينه . وسيأتي الكلام على ذلك في موضعه ، إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية