الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 520 ] 789 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يقضي بين المختلفين في الرقبة المؤمنة ، هل يجزئ فيها من لم يصم ولم يصل ، ممن قد أقر بالإيمان أم لا ؟

قال أبو جعفر : قد روي عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي في هذا المعنى .

ما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو داود ، عن أبي حرة ، قال : سمعت الحسن يقول : ما كان من رقبة مؤمنة فلا يجزئ فيها إلا من صام وصلى ، وما كان من رقبة غير مؤمنة أجزأ فيها الصغير .

وحدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا عبد الحميد بن صالح ، قال : حدثنا أبو شهاب ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : لا يجوز في كفارة القتل إلا رقبة قد صامت [ ص: 521 ] وصلت ، ويجزئ في الظهار وفي اليمين ما لم يصم ولم يصل .

قال أبو جعفر : فكان من دونهما من فقهاء الأمصار يقولون : يجزئ في الرقبة المؤمنة من أقر بالإيمان ، وإن لم يصم ولم يصل ، ومن استحق أنه من أهل الإيمان بإيمان أبويه ، وإن لم يكن صام ولا صلى ، وكان القاضي بينهم في ذلك ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه .

4990 - وهو ما قد حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو داود .

وما قد حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا أسد قالا : حدثنا المسعودي ، قال : أخبرني عون بن عبد الله بن عتبة ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن أبي هريرة : أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجارية عجماء لا تفصح ، فقال : إن علي رقبة مؤمنة ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين الله - عز وجل - فأشارت إلى السماء ، فقال لها : من أنا ، فأشارت إلى السماء ، فقال رسول الله : اعتقها ، وقال المسعودي مرة : اعتقها فإنها مؤمنة ، هكذا لفظ بكار . وأما لفظ الربيع ، فقال لها : من أنا ، فأشارت إليه وإلى السماء ، أي أنت رسول الله ، قال : اعتقها فإنها مؤمنة .

[ ص: 522 ]

4991 - وما قد حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا عيسى بن إبراهيم البركي ، قال : حدثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي ، قال : حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إن أمي جعلت عليها رقبة مؤمنة أن تعتقها وهذه أمة سوداء ، فسألها رسول الله : أين الله - عز وجل - قالت : في السماء ، قال : فمن أنا ، قالت : أنت رسول الله ، قال : اعتقها فإنها مؤمنة .

4992 - وما قد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب أن مالكا حدثه .

وما قد حدثنا المزني ، قال : حدثنا الشافعي ، قال : حدثنا مالك ، عن هلال بن أسامة ، عن عطاء بن يسار [ ص: 523 ] عن عمر بن الحكم أنه ، قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، إن جارية لي كانت ترعى غنما لي ، فجئتها ، وفقدت شاة من الغنم ، فسألتها عنها ، فقالت : أكلها الذئب فأسفت عليها ، وكنت امرأ من بني آدم ، فلطمت وجهها وعلي رقبة ، أفأعتقها ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين الله - عز وجل ؟ فقالت : في السماء ، فقال : من أنا ، فقالت : أنت رسول الله ، فقال : اعتقها .

[ ص: 524 ] سمعت المزني يقول : قال الشافعي : مالك سمى هذا الرجل عمر بن الحكم وإنما هو معاوية بن الحكم .

4993 - ، أخبرنا يونس ، قال : أخبرنا بشر بن بكر ، عن الأوزاعي ، قال : حدثني يحيى بن أبي كثير ، قال : حدثني هلال بن أبي ميمونة ، قال : حدثني عطاء بن يسار ، قال : [ ص: 525 ] حدثني معاوية بن الحكم السلمي ، قال : كانت لي جارية ترعى غنيمة لي قبل أحد والجوانية ، فاطلعتها فوجدت الذئب قد ذهب منها بشاة ، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون ، فصككتها صكة ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فعظمه علي ، قال : فقلت : أفلا أعتقها ؟ قال : ادعها لي ، فدعوتها ، فقال : أين الله - عز وجل ؟ قالت : في السماء ، قال : فمن أنا ؟ قالت : أنت رسول الله ، قال : إنها مؤمنة فأعتقها .

4994 - وما قد حدثنا محمد بن ميمون البغدادي ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن يحيى ، عن هلال بن أبي أمية [ ص: 526 ] عن عطاء بن يسار ، عن معاوية بن الحكم السلمي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر مثله .

ففي ما ذكرنا من هذه الروايات ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد دل على صحة ما قال المتأخرون من القولين اللذين ذكرناهما في هذا الباب ، والله - عز وجل - نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية