الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ التخصيص بقول الصحابي ]

                                                      المسألة الثانية : أن يكون الخبر عاما فيخصه الصحابي بأحد أفراده ، فإما أن يكون هو الراوي له أو لا

                                                      الضرب الأول : أن لا يكون هو راويه ، كحديث أبي هريرة : { ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة } . وحديث علي : { قد عفوت لكم عن صدقة الخيل ، والرقيق } وقد روي عن ابن عباس تخصيص الخيل بما يغزى عليها في سبيل الله ، فأما غيرها ففيها الزكاة ، وعن عثمان [ ص: 528 ] تخصيصه بالسائمة ، وأخذ من المعلوفة الزكاة ، وعن عمر نحوه .

                                                      فقال الأستاذ أبو منصور ، والشيخ أبو حامد الإسفراييني ، وسليم ، والشيخ في اللمع " : يجوز التخصيص به إذا انتشر ، ولم يعرف له مخالف ، وانقرض العصر عليه ، لأن ذلك إما إجماع أو حجة مقطوع به على الخلاف .

                                                      وأما إذا لم ينتشر في الباقين ، فإن خالفه غيره فليس بحجة قطعا ، وإن لم يعرف له مخالف فعلى قوله في الجديد ، ليس بحجة ، فلا يخص به ، وعلى قوله القديم : هو حجة ، تقدم على القياس ، وهل يخص به العموم ؟ فيه وجهان :

                                                      أحدهما : أنه يخص به ، لأنه على هذا القول أقوى من القياس ، وقد ثبت جواز التخصيص بالقياس فكان بما هو أقوى منه أولى . والثاني : لا يخص لأن الصحابة كانت تترك أقوالها لظاهر السنة . قال الشيخ أبو إسحاق : والمذهب أنه لا يجوز التخصيص به .

                                                      وما ذكروه من حكاية الوجهين تفريعا على القول بحجيته ، حكاه القفال الشاشي في كتابه أيضا ، والقاضي أبو الطيب في شرح الكفاية " ، ونقلهما عن أبي علي الطبري في الإيضاح " .

                                                      وما ذكروه من تخريج القول بكونه تخصيصا على القديم فهو مبني على المشهور من مذهب الشافعي في الجديد : أن قول الصحابي ليس بحجة ، لكن سيأتي - إن شاء الله تعالى - أنه منصوص للشافعي في الجديد أيضا ، ولذلك اعتقد مذهب معمر بن نضلة في تخصيصه الاحتكار بالطعام حالة الضيق على [ ص: 529 ] الناس ، ولم يعتقد قول ابن عباس في تخصيص المرتد بالرجل دون المرأة ، ولا قول من خص نفي الزكاة عن الخيل ببعض أصنافها . أما على القول المشهور في الجديد من أن قول الصحابي ليس بحجة أو لأن غيرهم من الصحابة قد خالفوهم ، فقد روي عن علي أنه قتل المرتدة ، وعن عمر أنه امتنع من أخذ الزكاة عن الخيل ، لما سأله أربابها ذلك ، وإذا اختلفت الصحابة تعارضت أقوالهم فبقي العام على عمومه وما جزموا به من التخصيص إذا لم يعلم مخالف فليس كذلك ، فقد ذكر القفال الشاشي في هذه الحالة خلافا مبنيا على الخلاف في تقليده ، وفيه نظر ، لأن هذه محل وفاق كما سيأتي .

                                                      وقال أبو الحسين بن القطان : ذهب عامة أصحابنا إلى أن تخصيص الظاهر بقول الصحابي لا يقع . وقال بعضهم : يجب أن يخص الظاهر به إذا قلنا بوجوب قبول قوله إذا انتشر ، وإن لم يصادمه قياس ، لأنا نقدمه على القياس ، فإذا خص بالقياس كان بأن يخص بقوله الذي هو مقدم على القياس أولى ، ثم قال الشيخ أبو حامد : فأما إذا كان الخبر غير محتمل أو عارضه قول صحابي فإنه يعمل بالخبر ، ويترك قول الصحابي . وقال أبو حنيفة : إن كان الصحابي ممن يخفى عليه الخبر عمل بالخبر ، وإن كان ممن لا يخفى عليه فالعمل بقول الصحابي ، ولهذا يقولون : من شرط صحة خبر الواحد أن لا يعترض عليه بعض السلف .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية