الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 532 ] 791 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذكره مما لا تصلح له المساجد ومما هي له .

5004 - حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا عمر بن يونس اليماني ، قال : حدثنا عكرمة بن عمار ، قال : حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، قال : حدثني أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا يعني : البول والعذرة ، إنما هي لذكر الله - عز وجل - وللصلاة ولقراءة القرآن ، قال عكرمة ، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 533 ] فقال قائل : فقد رويتم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما اعتكف في المسجد ضرب له خباء فيه ، وضرب لمن اعتكف معه من نسائه أخبية فيه ، وقد ذكرت ذلك فيما تقدم منك في كتابك هذا وفي ذلك استعماله لغير ما ذكر في الحديث الأول أنه يصلح له ، ورويت مع ذلك في غير كتابك هذا مما يدخل في هذا المعنى .

5005 - فذكر ما قد حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا محمد بن سعيد ابن الأصبهاني ، قال : حدثنا علي بن عابس الملائي ، عن أبي فزارة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي ليلى أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في العشر الأواخر من رمضان في قبة من خوص .

قال هذا القائل : وفي ذلك إشغال المسجد لغير ما بني له ، وهذا وحديث أنس بن مالك الذي ذكرته في أول هذا الباب متضادان .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل - وعونه : أنه لا تضاد في ذلك كما ذكر ; لأن الاعتكاف سبب لذكر الله - عز وجل - من [ ص: 534 ] المعتكفين ، وذلك مما يدخل في المعنى المذكور في حديث أنس الذي ذكرنا ، وكان المعتكفون يحتاجون في إقامتهم في اعتكافهم إلى ما يقيهم البرد والحر ، وإلى ما لا يتهيأ لهم الإقامة للاعتكاف الذي هم فيه من المساجد إلا به ، ومما يحتجب أمهات المؤمنين اللائي اعتكفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجال الذين لا يحل لهم النظر إليهن إلا هو ، ومن اتخاذ ما يحتاجون إليه من الطعام والشراب مما لا تقوم أبدانهم إلا به في المواضع التي يعتكفون فيها ، فكان ما اتخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك لنفسه ، ولمن اعتكف معه من أزواجه في المسجد الذي كان اعتكافه وإياهم فيه لهذا المعنى ، ولم يكن ما فعل من ذلك بقاطع الناس عن الصلاة في بقية المسجد ، وعن الوصول بذلك إلى ما كانوا يصلون إليه منه لو لم يتخذ هذه الأشياء فيه ، وكانت هذه الأشياء التي اتخذت فيه أسبابا لذكر الله - عز وجل - فيه ، فقد عاد معنى ذلك إلى معنى الحديث الأول ، قال هذا القائل : فقد رويتم ما زاد على هذا المعنى .

5006 - وذكر ما قد حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا عبد الله بن نمير ، قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : أصيب سعد ، يعني : ابن معاذ - رضي الله عنه - يوم الخندق رماه رجل من قريش يقال له : حبان بن العرقة ، رماه في الأكحل ، فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبة في المسجد ليعوده من قريب .

[ ص: 535 ]

5007 - وما قد حدثنا أحمد بن مسعود الخياط المقدسي ، قال : حدثنا محمد بن عيسى ابن الطباع ، قال : حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لسعد بن معاذ قبة في المسجد لتقرب عليه عيادته .

قال هذا القائل : ففي هذا أيضا زيادة على المعنى الذي ذكرناه فيما كان اتخذه صلى الله عليه وسلم لنفسه ولأزواجه في اعتكافه وفي اعتكافهن معه في المسجد .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل - وعونه : أنه قد يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد بما فعل من ذلك الزيادة لسعد عند ربه - عز وجل - من فضل الصلوات في مسجده وأن لا ينقطع عن ذلك بما حدث به ليكمل الله - عز وجل - له في صلواته ما جعله على لسان نبيه لمن صلى في مسجده صلاة من الفضل الذي يعطاه عليها زيادة على ما يعطاه من صلاها في غيره ، وهو ألف صلاة فجعل له [ ص: 536 ] في مسجده ما جعل له مما يكون منه ليدرك هذا الجزاء على هذه الصلوات مع قربه من عيادته والوقوف على أحواله ، وفي ذلك أيضا موافقة ما في الحديث الأول ، والله - عز وجل - نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية