الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                    ( قال ياقوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ( 88 ) )

                                                                                                                                                                                                    يقول لهم أرأيتم يا قوم ( إن كنت على بينة من ربي ) أي : على بصيرة فيما أدعو إليه ، ( ورزقني منه رزقا حسنا ) قيل : أراد النبوة . وقيل : أراد الرزق الحلال ، ويحتمل الأمرين .

                                                                                                                                                                                                    وقال الثوري : ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ) أي : لا أنهاكم عن شيء وأخالف أنا في السر فأفعله خفية عنكم ، كما قال قتادة في قوله : ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ) يقول : لم أكن لأنهاكم عن أمر وأركبه ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ) أي : فيما آمركم وأنهاكم ، إنما مرادي إصلاحكم جهدي وطاقتي ، ( وما توفيقي ) أي : في إصابة الحق فيما أريده ( إلا بالله عليه توكلت ) في جميع أموري ، ( وإليه أنيب ) أي : أرجع ، قاله مجاهد وغيره .

                                                                                                                                                                                                    قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا أبو قزعة سويد بن حجير الباهلي ، عن حكيم بن معاوية ، عن أبيه : أن أخاه مالكا قال : يا معاوية ، إن محمدا أخذ جيراني ، فانطلق إليه ، فإنه قد كلمك وعرفك ، فانطلقت معه فقال : دع لي جيراني ، فقد كانوا أسلموا . فأعرض عنه . [ فقام متمعطا ] فقال : أما والله لئن فعلت إن الناس يزعمون أنك تأمر بالأمر وتخالف إلى غيره . وجعلت أجره وهو يتكلم ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " ما تقول ؟ " فقال : إنك والله لئن فعلت ذلك . إن الناس ليزعمون أنك لتأمر بالأمر وتخالف إلى غيره . قال : فقال : " أوقد قالوها - أوقائلهم - ولئن فعلت ذلك ما ذاك إلا علي ، وما عليهم من ذلك من شيء ، أرسلوا له جيرانه .

                                                                                                                                                                                                    وقال أحمد أيضا : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده [ ص: 345 ] قال : أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - ناسا من قومي في تهمة فحبسهم ، فجاء رجل من قومي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب ، فقال : يا محمد ، علام تحبس جيرتي ؟ فصمت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . [ عنه ] فقال : إن ناسا ليقولون : إنك تنهى عن الشيء وتستخلي به ، فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم : " ما يقول ؟ " قال : فجعلت أعرض بينهما الكلام مخافة أن يسمعها فيدعو على قومي دعوة لا يفلحون بعدها أبدا ، فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به حتى فهمها ، فقال : " أوقد قالوها - أو : قائلها منهم - والله لو فعلت لكان علي وما كان عليهم ، خلوا له عن جيرانه " .

                                                                                                                                                                                                    ومن هذا القبيل الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر ، حدثنا سليمان بن بلال ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصاري قال : سمعت أبا حميد وأبا أسيد يقولان : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم ، وتلين له أشعاركم وأبشاركم ، وترون أنه منكم قريب ، فأنا أولاكم به ، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم ، وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم ، وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه " .

                                                                                                                                                                                                    هذا إسناد صحيح ، وقد أخرج مسلم بهذا السند حديث : " إذا دخل أحدكم المسجد فليقل : اللهم ، افتح لي أبواب رحمتك . وإذا خرج فليقل : اللهم ، إني أسألك من فضلك " .

                                                                                                                                                                                                    ومعناه ، والله أعلم : مهما بلغكم عني من خير فأنا أولاكم به ، ومهما يكن من مكروه فأنا أبعدكم منه ، ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم [ عنه ] ) .

                                                                                                                                                                                                    وقال قتادة ، عن عزرة عن الحسن العرني ، عن يحيى بن الجزار ، عن مسروق ، أن امرأة جاءت ابن مسعود قالت أتنهى عن الواصلة ؟ قال : نعم . فقالت [ المرأة ] : فلعله في بعض نسائك ؟ فقال : ما حفظت إذا وصية العبد الصالح : ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ) .

                                                                                                                                                                                                    وقال عثمان بن أبي شيبة : حدثنا جرير ، عن أبي سليمان العتبي قال : كانت تجيئنا كتب عمر بن عبد العزيز فيها الأمر والنهي ، فيكتب في آخرها : وما كانت من ذلك إلا كما قال العبد الصالح : ( وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ) .

                                                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية