الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ملح

                                                          ملح : الملح : ما يطيب به الطعام ، يؤنث ويذكر ، والتأنيث فيه أكثر . وقد ملح القدر يملحها ويملحها ملحا وأملحها : جعل فيها ملحا بقدر . وملحها تمليحا : أكثر ملحها فأفسدها ، والتمليح مثله . وفي الحديث : " إن الله تعالى ضرب مطعم ابن آدم للدنيا مثلا وإن ملحه أي ألقى فيه الملح بقدر الإصلاح " . ابن سيده عن سيبويه : ملحته وملحته وأملحته بمعنى ، وملح اللحم والجلد يملحه ملحا ، كذلك ، أنشد ابن الأعرابي :

                                                          تشلي الرموح ، وهي الرموح ، حرف كأن غبرها مملوح وقال أبو ذؤيب :

                                                          يستن في عرض الصحراء فائره كأنه سبط الأهداب مملوح يعني البحر شبه السراب به . وتقول : ملحت الشيء وملحته ، فهو مملوح مملح مليح . والملح والمليح خلاف العذب من الماء ، والجمع ملحة وملاح وأملاح وملح ، وقد يقال : أمواه ملح وركية ملحة وماء ملح ، ولا يقال مالح إلا في لغة رديئة . وقد ملح ملوحة وملاحة وملح يملح ملوحا ، بفتح اللام فيهما ؛ عن ابن الأعرابي ، فإن كان الماء عذبا ثم ملح قال : أملح ، وبقلة مالحة . وحكى ابن الأعرابي : ماء مالح كملح ، وإذا وصفت الشيء بما فيه من الملوحة قلت : سمك مالح وبقلة مالحة . قال ابن سيده : وفي حديث عثمان - رضي الله عنه - : وأنا أشرب ماء الملح أي الشديد الملوحة . الأزهري عن أبي العباس : أنه سمع ابن الأعرابي قال : ماء أجاج وقعاع وزعاق وحراق ، وماء يفقأ عين الطائر ، وهو الماء المالح ، قال وأنشدنا :


                                                          بحرك عذب الماء ، ما أعقه ربك ، والمحروم من لم يسقه

                                                          أراد : ما أقعه من القعاع ، وهو الماء الملح فقلب . ابن شميل : قال يونس : لم أسمع أحدا من العرب يقول ماء مالح ، ويقال سمك مالح ، وأحسن منهما : سمك مليح ومملوح ، قال الجوهري : ولا يقال مالح ، قال : وقال أبو الدقيش : يقال ماء مالح وملح ، قال أبو منصور : هذا وإن وجد في كلام العرب قليل لغة لا تنكر ، قال ابن بري : قد جاء المالح في أشعار الفصحاء كقول الأغلب العجلي يصف أتنا وحمارا :


                                                          تخاله من كربهن كالحا     وافتر صابا ونشوقا مالحا

                                                          وقال غسان السليطي :


                                                          وبيض غذاهن الحليب ، ولم يكن     غذاهن نينان من البحر مالح


                                                          أحب إلينا من أناس بقرية     يموجون موج البحر ، والبحر جامح

                                                          وقال عمر بن أبي ربيعة :

                                                          ولو تفلت في البحر ، والبحر مالح ، لأصبح ماء البحر من ريقها عذبا ! قال ابن بري : وجدت هذا البيت المنسوب إلى عمر بن أبي ربيعة في شعر عيينة محمد بن أبي صفرة في قصيدة أولها :


                                                          تجنى علينا أهل مكتومة الذنبا     وكانوا لنا سلما ، فصاروا لنا حربا

                                                          وقال أبو زياد الكلابي :


                                                          صبحن قوا ، والحمام واقع     وماء قو مالح وناقع

                                                          وقال جرير :


                                                          إلى المهلب جد الله دابرهم     أمسوا رمادا ، فلا أصل ولا طرف
                                                          كانوا إذا جعلوا في صيرهم بصلا     ثم اشتووا كنعدا من مالح جدفوا

                                                          قال : وقال ابن الأعرابي : يقال شيء مالح كما يقال حامض ، قال ابن بري : وقال أبو الجراح : الحمض المالح من الشجر . قال ابن بري : ووجه جواز هذا من جهة العربية أن يكون على النسب ، مثل قولهم : ماء دافق أي ذو دفق ، وكذلك ماء مالح أي ذو ملح ، وكما يقال رجل تارس أي ذو ترس ، ودارع أي ذو درع ، قال : ولا يكون هذا جاريا على الفعل . ابن سيده : وسمك مالح ومليح ومملوح ومملح وكره بعضهم مليحا ومالحا ، ولم ير بيت عذافر حجة ، وهو قوله :


                                                          لو شاء ربي لم أكن كريا     ولم أسق لشعفر المطيا
                                                          بصرية تزوجت بصريا     يطعمها المالح والطريا

                                                          وقد عارض هذا الشاعر رجل من حنيفة فقال :

                                                          [ ص: 117 ]

                                                          أكريت خرقا ماجدا سريا     ذا زوجة كان بها حفيا
                                                          يطعمها المالح والطريا

                                                          وأملح القوم : وردوا ماء ملحا . وأملح الإبل : سقاها ماء ملحا . وأملحت هي : وردت ماء ملحا . وتملح الرجل : تزود الملح أو تجر به ، قال ابن مقبل يصف سحابا :


                                                          ترى كل واد سال فيه     كأنما أناخ عليه راكب متملح

                                                          والملاحة : منبت الملح كالبقالة لمنبت البقل . والمملحة : ما يجعل فيه الملح . والملاح : صاحب الملح ؛ حكاه ابن الأعرابي ، وأنشد :


                                                          حتى ترى الحجرات كل عشية     ما حولها ، كمعرس الملاح

                                                          ويروى الحجرات . والملاح : النوتي ، وفي التهذيب : صاحب السفينة لملازمته الماء الملح ، وهو أيضا الذي يتعهد فوهة النهر ليصلحه وأصله من ذلك ، وحرفته الملاحة والملاحية ، وأنشد الأزهري للأعشى :


                                                          تكافأ ملاحها وسطها     من الخوف ، كوثلها يلتزم

                                                          ابن الأعرابي : الملاح الريح التي تجري بها السفينة وبه سمي الملاح ملاحا ، وقال غيره : سمي السفان ملاحا لمعالجته الماء الملح بإجراء السفن فيه ، ويقال للرجل الحديد : ملحه على ركبتيه ، قال مسكين الدارمي :


                                                          لا تلمها ، إنها من نسوة     ملحها موضوعة فوق الركب

                                                          قال ابن سيده : أنث فإما أن يكون جمع ملحة ، وإما أن يكون التأنيث في الملح لغة ، وقال الأزهري : اختلف الناس في هذا البيت فقال الأصمعي : هذه زنجية والملح شحمها هاهنا وسمن الزنج في أفخاذها ، وقال شمر : الشحم يسمى ملحا ، وقال ابن الأعرابي في قوله :

                                                          ملحها موضوعة فوق الركب قال : هذه قليلة الوفاء ، والملح هاهنا يعني الملح . يقال : فلان ملحه على ركبتيه إذا كان قليل الوفاء . قال : والعرب تحلف بالملح والماء تعظيما لهما . وملح الماشية ملحا وملحها : أطعمها سبخة الملح ، وهو ملح وتراب ، والملح أكثر ، وذلك إذا لم يقدر على الحمض فأطعمها هذا مكانه . والملاحة : عشبة من الحموض ذات قضب وورق منبتها القفاف ، وهي مالحة الطعم ناجعة في المال ، والجمع ملاح . الأزهري عن الليث : الملاح من الحمض ، وأنشد :


                                                          يخبطن ملاحا كذاوي القرمل

                                                          قال أبو منصور : الملاح من بقول الرياض ، الواحدة ملاحة ، وهي بقلة غضة فيها ملوحة منابتها القيعان ، وحكى ابن الأعرابي عن أبي النجيب الربعي في وصفه روضة : رأيتها تندى من بهمى وصوفانة وينمة وملاحة ونهقة . والملاح ، بالضم والتشديد : من نبات الحمض ، وفي حديث ظبيان : يأكلون ملاحها ويرعون سراحها ؛ الملاح : ضرب من النبات ، والسراح : جمع سرح وهو الشجر ، وقال ابن سيده : قال أبو حنيفة : الملاح حمضة مثل القلام فيه حمرة يؤكل مع اللبن ينتقل به ، وله حب يجمع كما يجمع الفث ويخبز فيؤكل ، قال : وأحسبه سمي ملاحا للون لا للطعم ، وقال مرة : الملاح عنقود الكباث من الأراك سمي به لطعمه ، كأنه فيه من حرارته ملحا ، ويقال : نبت ملح ومالح للحمض . وقليب مليح أي ماؤه ملح ، قال عنترة يصف جعلا :


                                                          كأن مؤشر العضدين حجلا     هدوجا بين أقلبة ملاح

                                                          والملح : الحسن من الملاحة . وقد ملح يملح ملوحة وملاحة وملحا أي حسن ، فهو مليح وملاح وملاح . والملاح أملح من المليح ، قال :


                                                          تمشي بجهم حسن ملاح     أجم حتى هم بالصياح

                                                          يعني فرجها ، وهذا المثال لما أرادوا المبالغة ، قالوا : فعال فزادوا في لفظه لزيادة معناه ، وجمع المليح ملاح وجمع ملاح وملاح ملاحون وملاحون ، والأنثى مليحة . واستملحه : عده مليحا ، وقيل : جمع المليح ملاح وأملاح ؛ عن أبي عمرو ، مثل شريف وأشراف . وفي حديث جويرية : وكانت امرأة ملاحة أي شديدة الملاحة ، وهو من أبنية المبالغة . وفي كتاب الزمخشري : وكانت امرأة ملاحة أي ذات ملاحة ، وفعال مبالغة في فعيل مثل كريم وكرام وكبير وكبار ، وفعال مشددا أبلغ منه . التهذيب : والملاح أملح من المليح . وقالوا : ما أميلحه فصغروا الفعل وهم يريدون الصفة حتى كأنهم قالوا مليح ، ولم يصغروا من الفعل غيره وغير قولهم ما أحيسنه ، قال الشاعر :


                                                          يا ما أميلح غزلانا عطون لنا     من هؤلياء ، بين الضال والسمر

                                                          والملحة والملحة : الكلمة المليحة . وأملح : جاء بكلمة مليحة . الليث : أملحت يا فلان ؛ بمعنيين ، أي جئت بكلمة مليحة وأكثرت ملح القدر . وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت لها امرأة : أزم جملي هل علي جناح ؟ قالت : لا ، فلما خرجت قالوا لها : إنها تعني زوجها ، قالت : ردوها علي ، ملحة في النار اغسلوا عني أثرها بالماء والسدر . الملحة : الكلمة المليحة ، وقيل : القبيحة . وقولها : اغسلوا عني أثرها تعني الكلمة التي أذنت لها بها ، ردوها لأعلمها أنه لا يجوز . قال أبو منصور : الكلام الجيد ملحت القدر إذا أكثرت ملحها ، بالتشديد ، وملح الشاعر إذا أتى بشيء مليح . والملحة ، بالضم : واحدة الملح من الأحاديث . قال الأصمعي : بلغت بالعلم ونلت بالملح ، والملح : الملح من الأخبار ، بفتح الميم . والملح : العلم . والملح : العلماء . وأملحني بنفسك : زيني ، التهذيب : سأل رجل آخر فقال : أحب أن تملحني عند فلان بنفسك أي تزينني وتطريني . الأصمعي : الأملح الأبلق بسواد وبياض . والملحة من الألوان : بياض تشوبه شعرات سود . والصفة أملح والأنثى ملحاء . وكل شعر وصوف ونحوه كان فيه بياض وسواد : فهو أملح ، وكبش أملح : بين الملحة والملح . وفي الحديث : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بكبشين أملحين فذبحهما ، وفي التهذيب : ضحى بكبشين أملحين ، قال الكسائي وأبو زيد وغيرهما : الأملح الذي فيه بياض وسواد ويكون البياض أكثر . وقد املح الكبش املحاحا : صار أملح ، وفي الحديث : يؤتى بالموت في صورة كبش أملح ، ويقال : كبش أملح إذا كان شعره خليسا . قال أبو ذبيان ابن الرعبل : أبغض الشيوخ إلي الأقلح الأملح الحسو الفسو . وفي حديث خباب : لكن حمزة لم يكن له إلا نمرة [ ص: 118 ] ملحاء أي بردة فيها خطوط سود وبيض ، ومنه حديث عبيد بن خالد : خرجت في بردين وأنا مسبلهما فالتفت فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : إنما هي ملحاء ، قال : وإن كانت ملحاء أما لك في أسوة ؟ والملحاء من النعاج : الشمطاء تكون سوداء تنفذها شعرة بيضاء . والأملح من الشعر نحو الأصبح وجعل بعضهم الأملح الأبيض النقي البياض ، وقيل : الملحة بياض إلى الحمرة ما هو كلون الظبي ، أبو عبيدة : هو الأبيض الذي ليس بخالص فيه عفرة . ورجل أملح اللحية إذا كان يعلو شعر لحيته بياض من خلقة ، ليس من شيب ، وقد يكون من شيب ولذلك وصف الشيب بالملحة ، أنشد ثعلب :


                                                          لكل دهر قد لبست أثوبا     حتى اكتسى الشيب قناعا أشهبا
                                                          أملح لا لذا ولا محببا

                                                          وقيل : هو الذي بياضه غالب لسواده وبه فسر بعضهم هذا البيت . والملحة والملح : في جميع شعر الجسد من الإنسان وكل شيء بياض يعلو السواد . والملحة : أشد الزرق حتى يضرب إلى البياض ، وقد ملح ملحا واملح وأملح ، الأزهري : الزرقة إذا اشتدت حتى تضرب إلى البياض قيل : هو أملح العين ، ومنه كتيبة ملحاء ، وقال حسان بن ربيعة الطائي :


                                                          وإنا نضرب الملحاء حتى     تولي ، والسيوف لنا شهود

                                                          قال ابن بري : المشهور من الرواية : وأنا نضرب الملحاء ، بفتح الهمزة ، وقبله :


                                                          لقد علم القبائل أن قومي     ذوو حد ، إذا لبس الحديد

                                                          قال : ومعنى قوله حتى تولي أي حتى تفر مولية يعني كتيبة أعدائه ، وجعل تفليل السيوف شاهدا على مقارعة الكتائب ويروى : لها شهود ، فمن روى لنا شهود فإنه جعل فلولها شهودا لهم بالمقارعة ، ومن روى لها أراد أن السيوف شهود على مقارعتها ، وذلك تفليلها . وملحان : جمادى الآخرة ، سمي بذلك لابيضاضه بالثلج ، قال الكميت :

                                                          إذا أمست الآفاق حمرا جنوبها ، لشيبان أو ملحان ، واليوم أشهب شيبان : جمادى الأولى وقيل : كانون الأول . وملحان : كانون الثاني ، سمي بذلك لبياض الثلج . الأزهري : عمرو بن أبي عمرو : شيبان ، بكسر الشين ، وملحان من الأيام إذا ابيضت الأرض من الجليت والصقيع . الجوهري : يقال لبعض شهور الشتاء ملحان لبياض ثلجه . والملاحي ، بالضم وتشديد اللام : ضرب من العنب أبيض في حبه طول ، وهو من الملحة ، وقال أبو قيس بن الأسلت :


                                                          وقد لاح في الصبح الثريا كما ترى     كعنقود ملاحية ، حين نورا

                                                          ابن سيده : عنب ملاحي أبيض ، قال الشاعر :


                                                          ومن تعاجيب خلق الله غاطية     يعصر منها ملاحي وغربيب

                                                          قال : وحكى أبو حنيفة ملاحي ، وهي قليلة . وقال مرة : إنما نسبه إلى الملاح ، وإنما الملاح في الطعم ، والملاحي من الأراك الذي فيه بياض وشهبة وحمرة ، وأنشد لمزاحم العقيلي :


                                                          فما أم أحوى الطرتين خلا لها     بقرى ، ملاحي من المرد ناطف

                                                          والملاحي : تين صغار أملح صادق الحلاوة ويزبب . واملاح النخل : تلون بسره بحمرة وصفرة . وشجرة ملحاء : سقط ورقها وبقيت عيدانها خضرا . والملحاء من البعير : الفقر التي عليها السنام ، ويقال : هي ما بين السنام إلى العجز ، وقيل : الملحاء لحم مستبطن الصلب من الكاهل إلى العجز ، قال العجاج :

                                                          موصولة الملحاء في مستعظم ، وكفل من نحضه ملكم والملحاء : ما انحدر عن الكاهل إلى الصلب ، وقوله :

                                                          رفعوا راية الضراب ومروا ، لا يبالون فارس الملحاء يعني بفارس الملحاء ما على السنام من الشحم . التهذيب : والملحاء وسط الظهر بين الكاهل والعجز ، وهي من البعير ما تحت السنام ، قال : وفي الملحاء ست محالات والجمع ملحاوات . الفراء : المليح الحليم والراسب والمرب الحليم . ابن الأعرابي : الملاح المخلاة . وجاء في الحديث : أن المختار لما قتل عمر بن سعد جعل رأسه في ملاح وعلقه ، الملاح : المخلاة بلغة هذيل ، وقيل : هو سنان الرمح ، قال : والملاح السترة . والملاح : الرمح . والملاح : أن تهب الجنوب بعد الشمال . ويقال : أصبنا ملحة من الربيع أي شيئا يسيرا منه . وأصاب المال ملحة من الربيع : لم يستمكن منه فنال منه شيئا يسيرا . والملح : السمن القليل . وأملح البعير إذا حمل الشحم ، وملح ، فهو مملوح إذا سمن . ويقال : كان ربيعنا مملوحا ، وكذلك إذا ألبن القوم وأسمنوا . وملحت الناقة ، فهي مملح : سمنت قليلا ، ومنه قول عروة بن الورد :


                                                          أقمنا بها حينا ، وأكثر زادنا     بقية لحم من جزور مملح

                                                          وجزور مملح : فيها بقية من سمن ، وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          ورد جازرهم حرفا مصهرة     في الرأس منها وفي الرجلين تمليح

                                                          أي سمن ، يقول : لا شحم لها إلا في عينها وسلاماها ، كما قال :


                                                          ما دام مخ في سلامى أو عين

                                                          قال : أول ما يبدأ السمن في اللسان والكرش ، وآخر ما يبقى في السلامى والعين . وتملحت الإبل : كملحت ، وقيل : هو مقلوب عن تحلمت أي سمنت ، وهو قول ابن الأعرابي ، قال ابن سيده : ولا أرى للقلب هنا وجها ، قال : وأرى ملحت الناقة ، بالتخفيف ، لغة في ملحت . وتملحت الضباب : كتحلمت أي سمنت . وملح القدر : جعل فيها شيئا من شحم . التهذيب عن أبي عمرو : أملحت القدر ، بالألف ، إذا جعلت فيها شيئا من شحم . وروي عن ابن عباس أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الصادق يعطى ثلاث خصال : الملحة والمهابة والمحبة " ؛ الملحة ، بالضم : البركة . يقال : كان ربيعنا مملوحا فيه أي مخصبا مباركا ، وهي من ملحت الماشية إذا ظهر فيها السمن [ ص: 119 ] من الربيع ، والملح : البركة ، يقال : لا يبارك الله فيه ولا يملح ؛ قاله ابن الأنباري . وقال ابن بزرج : ملح الله فيه فهو مملوح فيه أي مبارك له في عيشه وماله ، قال أبو منصور : أراد بالملحة البركة . وإذا دعي عليه قيل : لا ملح الله فيه ولا بارك فيه ! وقال ابن سيده في قوله : " الصادق يعطى الملحة " ، قال : أراه من قولهم تملحت الإبل سمنت فكأنه يريد الفضل والزيادة . وفي حديث عمرو بن حريث : عناق قد أجيد تمليحها وأحكم نضجها ، ابن الأثير : التمليح هاهنا السمط ، وهو أخذ شعرها وصوفها بالماء ، وقيل : تمليحها تسمينها من الجزور المملح وهو السمين ، ومنه حديث الحسن : ذكرت له التوراة فقال . أتريدون أن يكون جلدي كجلد الشاة المملوحة ؟ يقال : ملحت الشاة وملحتها إذا سمطتها . والملح : الرضاع ، قال أبو الطمحان - وكانت له إبل يسقي قوما من ألبانها ثم أغاروا عليها فأخذوها - :


                                                          وإني لأرجو ملحها في بطونكم     وما بسطت من جلد أشعث أغبرا

                                                          وذلك أنه كان نزل عليه قوم فأخذوا إبله فقال : أرجو أن ترعوا ما شربتم من ألبان هذه الإبل وما بسطت من جلود قوم كأن جلودهم قد يبست فسمنوا منها ، قال ابن بري : صوابه أغبر بالخفض والقصيدة مخفوضة الروي وأولها :


                                                          ألا حنت المرقال واشتاق ربها ؟     تذكر أرماما ، وأذكر معشري

                                                          قال : يقول إني لأرجو أن يأخذكم الله بحرمة صاحبها وغدركم به ، وكانوا استاقوا له نعما كان يسقيهم لبنها ، ورأيت في بعض حواشي نسخ الصحاح أن ابن الأعرابي أنشد هذا البيت في نوادره :


                                                          وما بسطت من جلد أشعث مقتر

                                                          الجوهري : والملح ، بالفتح ، مصدر قولك ملحنا لفلان ملحا أرضعناه ، وقول الشاعر :


                                                          لا يبعد الله رب العبا     د والملح ما ولدت خالده

                                                          يعني بالملح الرضاع ، قال أبو سعيد : الملح في قول أبي الطمحان الحرمة والذمام . ويقال : بين فلان وفلان ملح وملحة إذا كان بينهما حرمة ، فقال : أرجو أن يأخذكم الله بحرمة صاحبها وغدركم بها . قال أبو العباس : العرب تعظم أمر الملح والنار والرماد . الأزهري : وقولهم ملح فلان على ركبتيه فيه قولان : أحدهما أنه مضيع لحق الرضاع غير حافظ له ، فأدنى شيء ينسيه ذمامه كما أن الذي يضع الملح على ركبتيه أدنى شيء يبدده ، والقول الآخر أنه سيئ الخلق ، يغضب من أدنى شيء كما أن الملح على الركبة يتبدد من أدنى شيء . وروي قوله : والملح ما ولدت خالده ، بكسر الحاء ، عطفه على قوله : لا يبعد الله ، وجعل الواو واو القسم . ابن الأعرابي : الملح اللبن . ابن سيده : ملح رضع . الأزهري يقال : ملح يملح ويملح إذا رضع ، وملح الماء وملح يملح ملاحة . والملاح : المراضعة ، الليث : الملاح الرضاع ، وفي حديث وفد هوازن : أنهم كلموا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سبي عشائرهم فقال خطيبهم : إنا لو كنا ملحنا للحارث بن أبي شمر أو للنعمان بن المنذر ثم نزل منزلك هذا منا لحفظ ذلك لنا ، وأنت خير المكفولين فاحفظ ذلك ، قال الأصمعي : في قوله ملحنا أي أرضعنا لهما ، وإنما قال الهوازني ذلك لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان مسترضعا فيهم ؛ أرضعته حليمة السعدية . والممالحة : المراضعة والمواكلة . قال ابن بري : قال أبو القاسم الزجاجي لا يصح أن يقال تمالح الرجلان إذا رضع كل واحد منهما صاحبه هذا محال لا يكون ، وإنما الملح رضاع الصبي المرأة وهذا ما لا تصح فيه المفاعلة ، فالممالحة لفظة مولدة وليست من كلام العرب ، قال : ولا يصح أن يكون بمعنى المواكلة ويكون مأخوذا من الملح ؛ لأن الطعام لا يخلو من الملح ، ووجه فساد هذا القول أنا المفاعلة إنما تكون مأخوذة من مصدر مثل المضاربة والمقاتلة ، ولا تكون مأخوذة من الأسماء غير المصادر ، ألا ترى أنه لا يحسن أن يقال في الاثنين إذا أكلا خبزا : بينهما مخابزة ، ولا إذا أكلا لحما : بينهما ملاحمة ؟ وفي الحديث : " لا تحرم الملحة والملحتان أي الرضعة والرضعتان " ، فأما بالجيم ؛ فهو المصة وقد تقدمت . والملح ، بالفتح والكسر : الرضع . والملح : داء وعيب في رجل الدابة ، وقد ملح ملحا ، فهو أملح . والملح ، بالتحريك : ورم في عرقوب الفرس دون الجرذ ، فإذا اشتد ، فهو الجرذ . والملح : سرعة خفقان الطائر بجناحيه ، قال :


                                                          ملح الصقور تحت دجن مغين

                                                          قال أبو حاتم : قلت للأصمعي أتراه مقلوبا من اللمح ؟ قال : لا ، إنما يقال لمح الكوكب ولا يقال ملح ، فلو كان مقلوبا لجاز أن يقال ملح . والأملاح : موضع ، قال طرفة بن العبد :


                                                          عفا من آل ليلى السه     ب ، فالأملاح ، فالغمر

                                                          وهذه كلها أسماء أماكن . ابن سيده : ومليح والمليح ومليحة وأملاح وملح والأميلح والأملحان وذات ملح : كلها مواضع ، قال جرير :


                                                          كأن سليطا في جواشنها الحصى     إذا حل ، بين الأملحين ، وقيرها

                                                          قوله في جواشنها الحصى أي كأن أفهارا في صدورهم ، وقيل : أراد أنهم غلاظ كأن في قلوبهم عجرا ، قال الأخطل :


                                                          بمرتجز داني الرباب كأنه     على ذات ملح ، مقسم ما يريمها

                                                          وبنو مليح : بطن ، وبنو ملحان كذلك . والأميلح : موضع في بلاد هذيل كانت به وقعة ، قال المتنخل :


                                                          لا ينسأ الله منا معشرا شهدوا     يوم الأميلح ، لا غابوا ولا جرحوا

                                                          يقول لم يغيبوا فنكفى أن يؤسروا أو يقتلوا ، ولا جرحوا أي ولا قاتلوا إذ كانوا معنا . ويقال للندى الذي يسقط بالليل على البقل : أملح ؛ لبياضه ، وقول الراعي يصف إبلا :


                                                          أقامت به حد الربيع ، وجارها     أخو سلوة ، مسى به الليل أملح

                                                          يعني الندى ، يقول : أقامت بذلك الموضع أيام الربيع ، فما دام الندى ، فهو في سلوة من العيش ، وإنما قال مسى به لأنه يسقط بالليل ، أراد بجارها ندى الليل يجيرها من العطش . والملحاء [ ص: 120 ] والشهباء : كتيبتان كانتا لأهل جفنة ، قال الجوهري : والملحاء كتيبة كانت لآل المنذر ، قال عمرو بن شاس الأسدي :


                                                          يفلقن رأس الكوكب الفخم ، بعدما     تدور رحى الملحاء في الأمر ذي البزل

                                                          والكوكب : الرئيس المقدم . والبزل : الشدة . وملحة : اسم رجل . وملحة الجرمي : شاعر من شعرائهم . ومليح ، مصغرا : حي من خزاعة ، والنسبة إليهم ملحي مثال هذلي . التهذيب : والملاح أن تشتكي الناقة حياءها فتؤخذ خرقة ويطلى عليها دواء ثم تلصق على الحياء فيبرأ . وقال أبو الهيثم : تقول العرب للذي يخلط كذبا بصدق : هو يخصف حذاءه وهو يرتثئ إذا خلط كذبا بحق ، ويمتلح مثله ، فإذا قالوا فلان يمتلح ، فهو الذي لا يخلص الصدق ، وإذا قالوا عند فلان كذب قليل ، فهو الصدوق الذي لا يكذب ، وإذا قالوا إن فلانا يمتذق ، فهو الكذوب .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية