الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 19 ] 795 - باب بيان مشكل ما روي في منع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر بن الخطاب عن العود في صدقته ، هل ذلك بكل الوجوه حتى لا تصلح له بوجه منها ، أو على خاص من الوجوه ؟

5020 - حدثنا محمد بن علي بن داود البغدادي ، قال : حدثنا خلف بن هشام المقرئ ، قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : حملت على فرس في سبيل الله - عز وجل - وكنا إذا حملنا في سبيل الله أتينا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدفعناه إليه ، فيضعه حيث أراه الله - عز وجل - فجئت بفرسي ، فدفعتها إليه ، فحمل عليها رجلا من أصحابه فوافقته يبيعها في السوق ، فأردت أن أشتريها منه ، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له ، فقال : لا تشتريها ، ولا تعد في شيء من صدقتك .

[ ص: 20 ]

5021 - وحدثنا المزني ، قال : حدثنا الشافعي ، عن مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن عمر بن الخطاب حمل على فرس في سبيل الله ، فوجده يباع ، فأراد أن يبتاعه ، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فقال : لا تبتعه ولا تعد في صدقتك .

5022 - وحدثنا المزني ، قال : حدثنا الشافعي ، قال : حدثنا سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر - رضي الله عنه - : أنه أبصر فرسا تباع في السوق ، وكان تصدق بها ، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أشتريه ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تشتريه ولا شيئا من نتاجه .

[ ص: 21 ]

5023 - حدثنا المزني ، قال : حدثنا الشافعي ، قال : أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد ، قال : سمعت يحيى بن سعيد ، يقول : أخبرني نافع ، عن ابن عمر : أن عمر تصدق بفرس له في زمن رسول الله ، وأنه وجده يباع ، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : لا تشتريه ، ولا تقربنه .

قال أبو جعفر : ففي هذه الآثار نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر عن ابتياع صدقته ، وأن ذلك عود منه فيها فاحتمل أن يكون ذلك يوقع الكراهة لملكها من الوجوه كلها ، واحتمل أن يكون على الكراهة لملكها من بعض الوجوه دون بعض ، فنظرنا في ذلك .

5024 - فوجدنا إبراهيم بن أبي داود قد حدثنا قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث ، قال حدثني عقيل ، عن ابن [ ص: 22 ] شهاب ، قال : أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر : أن ابن عمر كان يحدث أن عمر - رضي الله عنه - تصدق بفرس في سبيل الله ، فوجده يباع بعد ذلك ، فأراد أن يشتريه ، ثم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأمره في ذلك ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تعد في صدقتك .

فبذلك كان ابن عمر يترك أن يبتاع شيئا تصدق به ، أو يرثه ، إلا جعله صدقة ، ففي هذا ما قد دل أن ابن عمر كان يرى أن رجوع الصدقة إلى المتصدق بها بالميراث مكروه له احتباسها في ملك ، حتى يردها إلى الصدقة .

ثم نظرنا : هل روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدفع هذا القول أم لا . ؟

5025 - فوجدنا يونس قد حدثنا ، قال : حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم بن مالك ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده : أن رجلا أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله [ ص: 23 ] ، إني أعطيت أمي حديقة ، وإنها ماتت ، ولم تترك وارثا غيري ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وجبت صدقتك ، ورجعت إليك حديقتك .

فكان في هذا إباحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمتصدق ملك صدقته بالميراث ، وإباحته ذلك له ، وفيما روينا قبله منعه عمر من ابتياع صدقته ، فوجب بتصحيح هذه الآثار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تكون إعادة المتصدق صدقته بالابتياع ، وبما أشبهه من الأشياء التي تكون منه ، كالقبول لها في هبة له ، أو في صدقة عليه ، أو فيما سوى ذلك من وجوه التمليكات ، مكروها له ، وأن إعادة الله - عز وجل - إياها إلى ملكه بتوريث له إياها عن من تصدق بها عليه ، غير مكروه له ، إذ لم يكن ذلك بارتجاعه إياها ، وإنما كان ذلك بإعادة الله - عز وجل - إياها إليه .

وقد روي أيضا في الرجوع في الصدقة بالابتياع لها نهي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير عمر عن مثل ذلك أيضا .

5026 - كما قد حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن [ ص: 24 ] هارون ، قال : حدثنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن عبد الله بن عامر ، عن الزبير بن العوام - رضي الله عنه - : أنه حمل على فرس في سبيل الله - عز وجل - فنزا فرسا أو مهرا ، فأراد شراءها ، فنهي عنها .

5027 - وكما حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا سريج بن النعمان ، قال : حدثنا حماد ، عن عاصم الأحول ، عن أبي عثمان النهدي ، عن ابن عباس : أن الزبير حمل على فرس في سبيل الله فوجد فرسا يباع من ضئضئها - يعني ولد ولدها - فنهي أن يشتريها .

قال أبو جعفر : فاختلف سليمان وعاصم في الرجل الذي حدث أبو عثمان بهذا الحديث عنه كما ذكرنا في اختلافهما فيه ، وقد روي [ ص: 25 ] عن أسامة بن زيد مثل ذلك أيضا .

5028 - كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن عبد الله بن معقل ، عن أسامة أو زيد : أنه حمل على فرس في سبيل الله - عز وجل - فأراد أن يشتري فلوها ، فنهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - .

5029 - وكما حدثنا محمد بن علي بن داود ، قال : حدثنا ليث بن داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن يحيى بن الجزار ، عن عبد الله بن معقل ، عن أسامة بن زيد أو زيد بن حارثة ، ثم ذكر مثله .

[ ص: 26 ] فزاد ليث بن داود ، عن شعبة على وهب بن جرير في إسناد هذا الحديث بين الحكم وبين عبد الله بن معقل يحيى بن الجزار ، ففي حديثي الزبير وأسامة كراهة ما ولد الفرس المتصدق به ككراهة الفرس بعينه ، فقد بان بحمد الله - عز وجل - ونعمته أن لا تضاد في شيء مما رويناه في هذا الباب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن لكل معنى مذكور فيه وجه ، يتوجه فيه غير الوجه الذي يتوجه فيه ما يظن من لا علم له أنه يخالفه ، والله - عز وجل - نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية