الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة تسع وثلاثين

فمن الحوادث فيها تفريق معاوية جنوده في أطراف علي رضي الله عنه .

ومن ذلك: أنه وجه النعمان بن بشير في ألفي رجل إلى عين التمر ، وكان بها مالك بن كعب مسلحة لعلي في ألف رجل ، فأذن لهم علي فأتوا الكوفة ، وأتاه النعمان ولم يبق معه إلا مائة رجل ، فكتب مالك إلى علي يخبره بأمر النعمان ومن معه ، فخطب علي بالناس وأمرهم بالخروج ، فتثاقلوا ، فقال: يا أهل الكوفة ، كلما سمعتم بجيش من جيوش الشام أظلكم ، انجحر كل امرئ منكم في بيته انجحار الضب في جحره ، والضبع في وجارها ، المغرور والله من غررتموه ، ولمن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب: لا أحرار عند النداء ، ولا إخوان ثقة عند النجاء ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، ماذا منيت به منكم . وواقع مالك النعمان بن بشير في تلك العصابة القليلة ، فوجه إليه مخنف ابنه عبد الرحمن في خمسين رجلا ، فانتهوا إلى مالك وأصحابه ، وقد كسروا جفون سيوفهم واستقتلوا ، فلما رآهم أهل الشام ظنوا أن لهم مددا وانهزموا ، وتبعهم مالك ، فقتل منهم ثلاثة نفر ، [ومضوا على وجوههم] .

ومن ذلك: أنه وجه معاوية في هذه السنة سفيان بن عوف في ستة آلاف رجل ، [ ص: 158 ] وأمره أن يأتي هيت ويمضي حتى يأتي الأنبار والمدائن فيوقع بأهلها . فسار حتى أتى هيت فلم يجد بها أحدا ، [ثم أتى الأنبار ] وبها مسلحة لعلي تكون خمسمائة رجل ، وقد تفرقوا فلم يبق منهم إلا مائة رجل ، فقاتلهم ، فصبر لهم أصحاب علي مع قلتهم ثم حملت عليهم الخيل والرجالة فقتلوا صاحب المسلحة ، وهو أشرس بن حسان البلوي في ثلاثين رجلا ، وحملوا ما كان في الأنبار من الأموال ورجعوا إلى معاوية وبلغ الخبر عليا ، فخرج حتى أتى النخيلة ، فقال له الناس: نحن نكفيك ، قال: ما تكفونني [ولا أنفسكم] ، وسرح سعيد بن قيس في أثر القوم ، فخرج [في طلبهم] حتى جاز هيت ، فلم يلحقهم [فرجع] .

ومن ذلك: أنه وجه معاوية في هذه السنة عبد الله بن مسعدة الفزاري في ألف وسبعمائة رجل إلى تيماء ، وأمره أن يصدق من مر به من أهل البوادي ، وأن يقتل من امتنع من عطائه صدقة ماله ، ثم يأتي المدينة ومكة والحجاز يفعل ذلك . واجتمع إليه خلق كثير من قومه ، فلما بلغ ذلك عليا رضي الله عنه وجه المسيب بن نجبة الفزاري في ألفي رجل ، فسار حتى لحق ابن مسعدة بتيماء ، فاقتتلوا حتى زالت الشمس قتالا شديدا ، فدخل ابن مسعدة وعامة من معه إلى الحصن وهرب الباقون نحو الشام ، وانتهبت الأعراب إبل الصدقة التي كانت مع ابن مسعدة ، وحصره [ومن كان معه] المسيب ثلاثة أيام ، ثم ألقى الحطب على الباب وألهب فيه النار ، فلما أحسوا بالهلاك أشرفوا على المسيب فقالوا: يا مسيب ، قومك ، فرق لهم ، فأمر بالنار فأطفئت ، [ ص: 159 ] وخرج ابن مسعدة ليلا بأصحابه فلحقوا بالشام .

ومن ذلك: أنه وجه معاوية في هذه السنة الضحاك بن قيس وأمره بالمرور بأسفل واقصة ، وأن يغير على كل من مر به ممن في طاعة علي رضي الله عنه من الأعراب ، ووجه معه ثلاثة آلاف رجل ، فسار وأغار على مسالح علي رضي الله عنه ، وأتى على عمرو بن عميس بن مسعود ، وكان في خيل علي وهو يريد الحج ، فأغار على [من كان] معه ، وحبسه عن المسير ، فلما بلغ ذلك عليا سرح حجر بن عدي الكندي في أربعة آلاف ، فلحق الضحاك بتدمر ، فقتل منهم تسعة عشر رجلا ، وقتل من أصحابه رجلان ، وحال بينهم الليل ، فهرب الضحاك وأصحابه ، ورجع حجر ومن معه .

التالي السابق


الخدمات العلمية