الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        معلومات الكتاب

                        إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

                        الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                        صفحة جزء
                        [ ص: 273 ] البحث السابع عشر : في عدم الاعتبار بقول العوام في الإجماع

                        لا اعتبار بقول العوام في الإجماع ، لا وفاقا ولا خلافا عند الجمهور ; لأنهم ليسوا من أهل النظر في الشرعيات ، ولا يفهمون الحجة ، ولا يعقلون البرهان .

                        وقيل : يعتبر قولهم ; لأنهم من جملة الأمة ، وإنما كان قول الأمة حجة لعصمتها من الخطإ ، ولا يمتنع أن تكون العصمة لجميع الأمة عالمها وجاهلها ، حكى هذا القول ابن الصباغ وابن برهان عن بعض المتكلمين ، واختاره الآمدي ، ونقله الجويني وابن السمعاني والصفي الهندي عن القاضي أبي بكر .

                        قال في مختصر التقريب : فإن قال قائل : فإذا أجمع علماء الأمة على حكم من من الأحكام ( فهل يطلقون القول بأن الأمة أجمعت عليه ، فلنا في الأحكام ) مما يحصل فيه اتفاق الخاص والعام ، كوجوب الصلاة والزكاة وغيرهما ، فما هذا سبيله يطلق القول بأن الأمة أجمعت عليه ، وأما ما أجمع عليه العلماء من أحكام الفروع التي تشذ عن العوام ، فقد اختلف أصحابنا في ذلك ، فقال بعضهم بعضهم : العوام يدخلون في حكم الإجماع ، وذلك أنهم ، وإن لم يعرفوا تفاصيل الأحكام فقد عرفوا على الجملة أن ما أجمع عليه علماء الأمة في تفاصيل الأحكام ، فهو مقطوع به ، فهذا مساهمة منهم في الإجماع ، وإن لم يعلموا على التفصيل .

                        ومن أصحابنا من زعم أنهم لا يكونون مساهمين في الإجماع ، فإنه إنما يتحقق الإجماع في التفاصيل بعد العلم بها ، فإذا لم يكونوا عالمين بها ، فلا يتحقق كونهم من أهل الإجماع .

                        قال أبو الحسين في المعتمد : اختلفوا في اعتبار قول العامة في المسائل الاجتهادية ، فقال قوم : العامة وإن وجب عليها اتباع العلماء فإن إجماع العلماء لا يكون حجة على أهل العصر ، حتى لا تسوغ مخالفتهم إلا بأن يتبعهم العامة من أهل عصرهم ، فإن لم يتبعوهم لم يجب على أهل العصر الثاني من العلماء اتباعهم .

                        وقال آخرون : بل هو حجة مطلقا ، وحكى القاضي عبد الوهاب وابن السمعاني أن العامة معتبرة في الإجماع في العام دون الخاص .

                        [ ص: 274 ] قال الروياني في البحر : إن اختص بمعرفة الحكم العلماء كنصب الزكوات ، وتحريم نكاح المرأة ، وعمتها ، وخالتها ، لم يعتبر وفاق العامة معهم ، وإن اشترك في معرفته الخاصة والعامة ، كأعداد الركعات ، وتحريم بنت البنت ، فهل يعتبر إجماع العوام معهم ؟ فيه وجهان ، أصحهما لا يعتبر ; لأن الإجماع إنما يصح عن نظر واجتهاد ، والثاني : يعم لاشتراكهم في العلم به .

                        قال سليم الرازي : إجماع الخاصة ، هل يحتاج معهم فيه إلى إجماع العامة ؟ فيه وجهان ، والصحيح : أنه لا يحتاج فيه إليهم .

                        قال الجويني حكم المقلد حكم العامي في ذلك إذ لا واسطة بين المقلد والمجتهد .

                        فرع : في حجية إجماع العوام

                        إجماع العوام عند خلو الزمان عن مجتهد عند من قال بجواز خلوه عنه ، هل يكون حجة أم لا ؟

                        فالقائلون باعتبارهم في إجماع مع وجود المجتهدين ، يقولون بأن إجماعهم حجة ، والقائلون بعدم اعتبارهم ، لا يقولون بأنه حجة ، وأما من قال بأن الزمان لا يخلو عن قائم بالحجة ، فلا يصح عنده هذا التقدير .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية