الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في الشجاج ( وتختص ) الشجة ( بما يكون بالوجه والرأس ) لغة ( وما يكون بغيرهما فجراحة ) أي تسمى جراحة وفيها حكومة عدل مجتبى ومسكين .

( وهي ) أي الشجاج ( عشرة الحارصة ) بمهملات وهي التي تحرص الجلد أي تخدشه ( والدامعة ) بمهملات التي تظهر الدم كالدمع ولا تسيله ( والدامية ) التي تسيله ( والباضعة ) التي تبضع الجلد أي تقطعه ( والمتلاحمة ) التي تأخذ في اللحم ( والسمحاق ) التي تصل إلى السمحاق أي جلدة رقيقة بين اللحم وعظم الرأس ( والموضحة ) التي توضح العظم أي تظهره ( والهاشمة التي تهشم العظم ) أي تكسره ( والمنقلة ) التي تنقله بعد الكسر ( والآمة التي ) تصل إلى أم الدماغ وهي الجلدة التي فيها الدماغ وبعدها الدامغة بغين معجمة وهي التي تخرج الدماغ

[ ص: 581 ] ولم يذكرها محمد للموت بعدها عادة فتكون قتلا لا شجا فعلم بالاستقراء بحسب الآثار أنها لا تزيد على العشرة ( ويجب في الموضحة نصف عشر الدية ) أي لو غير أصلع وإلا ففيها حكومة ، لأن جلدها أنقص زينة من غيره قهستاني عن الذخيرة ( وفي الهاشمة عشرها وفي المنقلة عشر ونصف عشر وفي الآمة والجائفة ثلثها فإن نفذت الجائفة فثلثاها ) لأنها إذا نفذت صارت جائفتين فيجب في كل ثلثها ( وفي الحارصة والدامعة والدامية والباضعة والمتلاحمة والسمحاق حكومة عدل ) إذ ليس فيه أرش مقدر من جهة السمع ، ولا يمكن إهدارها فوجب فيها حكومة عدل ( وهي ) أي حكومة العدل ( أن ينظر كم مقدار هذه الشجة من الموضحة فيجب بقدر ذلك من نصف عشر الدية ) قاله الكرخي : وصححه شيخ الإسلام ( وقيل ) قائله الطحاوي ( يقوم ) المشجوج ( عبدا بلا هذا الأثر ثم معه فقدر التفاوت بين القيمتين ) [ ص: 582 ] في الحر ( من الدية ) وفي العبد من القيمة فإن نقص الحر عشر قيمته أخذ عشر ديته ، وكذا في النصف والثلث ( هو ) أي هذا التفاوت ( هي ) أي حكومة العدل ( به يفتى ) كما في الوقاية والنقاية والملتقى والدرر والخانية وغيرها وجزم به في المجمع .

وفي الخلاصة : إنما يستقيم قول الكرخي لو الجناية في وجه ورأس فحينئذ يفتى به ولو في غيرهما أو تعسر على المفتي يفتي بقول الطحاوي مطلقا لأنه أيسر انتهى ، ونحوه في الجوهرة بزيادة وقيل تفسير الحكومة : هو ما يحتاج إليه من النفقة ، وأجرة الطبيب والأدوية إلى أن يبرأ

التالي السابق


فصل في الشجاج هي جمع شجة . ولما كانت نوعا من أنواع ما دون النفس ، وتكاثرت مسائله ذكره في فصل على حدة منح ( قوله وتختص الشجة إلخ ) قال في الهداية : والحكم مرتب على الحقيقة : أي حكم الشجاج يثبت في الوجه والرأس على ما هو حقيقة اللغة ; لأن الشجة لغة ما كان فيهما لا غير

، وفي غيرهما لا يجب المقدر فيهما بل يجب حكومة عدل أتقاني فلو تحققت الموضحة مثلا في نحو الساق واليد لا يجب الأرش المقدر لها ; لأنها جراحة لا موضحة ولا شيء من الجراح له أرش معلوم إلا الجائفة كما في الظهيرية واللحيان عندنا من الوجه ، حتى لو وجدت فيهما الموضحة والهاشمة والمنقلة كان لها أرش مقدر كما في الهداية وليس في الشجاج أرش مقدر إلا في الموضحة والهاشمة والمنقلة والآمة كما سيتضح ( قوله وفيها حكومة عدل ) ; لأن التقدير بالتوقيف وهذا إنما ورد فيما يختص بالوجه والرأس هداية ، ولا تلحق الجراحة بالشجة دلالة أو قياسا إذ ليست في معناها إذ الوجه والرأس يظهران غالبا فالشين فيهما أعظم أفاده الزيلعي وغيره ( قوله أي تخدشه ) من باب ضرب مختار قال ابن الشحنة عن قاضي خان : هي التي تخدش البشرة ولا يخرج منها دم وتسمى خادشة .

( قوله التي تبضع الجلد ) كذا فسرها الزيلعي وغيره ، ورده الطوري بأن الزيلعي نفسه صرح بتحقيق قطع الجلد في الأنواع العشرة فالظاهر في تفسيرها ما في المحيط والبدائع أنها التي تبضع اللحم ومثله في كتب اللغة ، وعلى هذا فيزاد في المتلاحمة قيد آخر فيقال كما في البدائع وغيرها هي التي تذهب في اللحم أكثر مما تذهب الباضعة ( قوله التي تأخذ في اللحم ) قال في المغرب : وهي التي تشق اللحم دون العظم ، ثم تتلاحم بعد شقها وتتلاصق . قال الأزهري والوجه أن يقال اللاحمة أي القاطعة اللحم ، وإنما سميت بذلك على ما تئول إليه أو على التفاؤل ا هـ ( قوله والسمحاق ) كقرطاس قاموس ( قوله والموضحة ) بفتح الضاد المعجمة قهستاني وظاهر كلام الشارح وغيره أنها بالكسر ( قوله التي تهشم ) من باب ضرب مغرب ( قوله والمنقلة ) بتشديد القاف مفتوحة أو مكسورة شرح وهبانية ( قوله والآمة ) بالمد والتشديد وتسمى مأمونة أيضا والدماغ ككتاب مخ الرأس قاموس ( قوله تخرج الدماغ ) أي تقطع الجلد وتظهر [ ص: 581 ] الدماغ ( قوله ولم يذكرها محمد ) وكذا لم يذكر الحارصة ; لأنها لا يبقى لها أثر في الغالب وما لا أثر لها لا حكم لها أتقاني ولذا قال في غرر الأفكار كان على المصنف أن لا يذكرها لكنه تأسى بما في غالب الكتب ( قوله للموت بعدها عادة ) فإن عاش ففيها ثلث الدية غرر الأفكار .

( قوله نصف عشر الدية ) إن كانت خطأ ، فلو عمدا فالقصاص كما يأتي ، وفي الكافي من المتفرقات شجه عشرين موضحة إن لم يتخلل البرء تجب دية كاملة في ثلاث سنين ، وإن تخلل البرء يجب كمال الدية في سنة واحدة ط ( قوله أي لو غير أصلع ) قال في الهندية : رجل أصلع ذهب شعره من كبر فشجه موضحة إنسان متعمدا قال محمد لا يقتص وعليه الأرش ، وإن قال الشاج رضيت أن يقتص مني ليس له ذلك وإن كان الشاج أيضا أصلع فعليه القصاص كذا في محيط السرخسي . وفي واقعات الناطفي : موضحة الأصلع أنقص من موضحة غيره فكان الأرش أنقص أيضا وفي الهاشمة يستويان وفي المنتقى شج رجلا أصلع موضحة خطأ فعليه أرش دون الموضحة في ماله ، وإن شجه هاشمة ففيها أرش دون أرش الهاشمة على عاقلته كذا في المحيط ا هـط ( قوله والجائفة ) قالوا الجائفة تختص بالجوف جوف الرأس أو جوف البطن هداية . وعليه فذكرها مع الشجاج له وجه من حيث إنها قد تكون في الرأس ، لكن نظر فيه الأتقاني بما في مختصر الكرخي من أنها لا تكون في الرقبة ولا في الحلق ، ولا تكون إلا فيما يصل إلى الجوف من الصدر والظهر والبطن والجنبين وبما ذكره في الأصل من أنها لا تكون فوق الذقن ولا تحت العانة ا هـ قال العيني : ولا تدخل الجائفة في العشرة إذ لا يطلق عليها الشجة ، وإنما ذكرت مع الآمة لاستوائهما في الحكم ( قوله فيجب في كل ثلثها ) أي ثلث الدية .

[ تنبيه ] قال الأتقاني : ينبغي لك أن تعرف أن ما كان أرشه نصف عشر الدية إلى ثلثها في الرجل والمرأة في الخطأ فهو على العاقلة في سنة ; لأن عمر رضي الله عنه قضى بالدية على العاقلة في ثلاث سنين ، فكل ما وجب به ثلثها فهو في سنة ، وإن زاد فالزيادة في سنة أخرى ; لأن الزيادة على الثلث من جملة ما يلزم العاقلة في السنة الثانية ، وكذلك إن انفردت ، وما زاد على الثلثين فالثلثان إلى سنتين والزائد في الثالثة وما كان دون نصف عشر الدية أو كان عمدا فهو في مال الجاني ا هـ ملخصا أي لما سيأتي في كتاب المعاقل أن العاقلة لا تعقل العمد ، ولا ما دون أرش الموضحة ( قوله حكومة عدل ) أي في الخطأ كذا في العمد إن لم نقل بالقصاص على ما يأتي قريبا ( قوله من جهة السمع ) أي الدليل السمعي لما مر أن التقدير بالتوقيف ( قوله من الموضحة ) خصها ; لأنها أقل الشجاج الأربعة التي لها أرش مقدر : وهي المرادة من قول المحيط من أقل شجة لها أرش مقدر فافهم ( قوله فيجب بقدر ذلك من نصف عشر الدية ) أي الذي هو أرش الموضحة .

بيانه : أن الشجة لو كانت باضعة مثلا فإنه ينظر كم مقدار الباضعة من الموضحة ، فإن كان ثلث الموضحة وجب ثلث أرش الموضحة وإن كان ربع الموضحة يجب ربع أرش الموضحة عناية ( قوله وصححه شيخ الإسلام ) [ ص: 582 ] لحديث علي رضي الله عنه . فإنه اعتبر حكومة العدل في الذي قطع طرف لسانه بهذا الاعتبار ، ولم يعتبر بالعبد ولأن موضحة الحر الصغيرة والكبيرة سواء ، وفي العبد يجب في الصغيرة أقل مما يجب في الكبيرة معراج ( قوله في الحر ) أي هو في شجة الحر ، وهو متعلق بمحذوف حال ، وقوله من الدية أي يؤخذ منها ، وهو خبر المبتدإ فافهم ( قوله وفي العبد من القيمة ) أي وقدر التفاوت في شجة العبد يؤخذ من قيمته ; لأن قيمته ديته ( قوله فإن نقص إلخ ) مثاله إذا كانت قيمته من غير جراحة تبلغ ألفا ومع الجراحة تبلغ تسعمائة علم أن الجراحة أوجبت نقصان عشر قيمته فأوجبت عشر الدية ; لأن قيمة الحر ديته عناية ( قوله به يفتى ) وبه أخذالحلواني وبه قال الأئمة الثلاثة . قال ابن المنذر وهو قول كل من يحفظ عنه العلم معراج ( قوله لو الجناية في وجه ورأس ) ; لأنهما موضع الموضحة جوهرة ( قوله أو تعسر على المفتي ) أي ما اعتبره الكرخي ( قوله مطلقا ) أي في الوجه والرأس أو غيرهما ، وهذا الإطلاق بالنظر إلى قوله أو تعسر ( قوله وقيل إلخ ) في موضع جر بإضافة زيادة إليه .

قال القهستاني بعده : وهذا كله إذا بقي للجراحة أثر ، وإلا فعندهما لا شيء عليه وعند محمد يلزمه قدر ما أنفق إلى أن يبرأ ، وعن أبي يوسف حكومة العدل في الألم ا هـ ويأتي تمامه آخر الفصل




الخدمات العلمية