الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 42 ]

799 - باب بيان مشكل ما روي عن البراء من قوله : كان ركوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقيامه ، وإذا رفع رأسه من الركوع ، وسجوده ما بين السجدتين قريبا من السواء

سمعت بكار بن قتيبة ، يقول : لما حملت من البصرة لما حملت له ، فقدمت الحضرة ، وكان القاضي بها يومئذ جعفر بن عبد الواحد الهاشمي ، فصلى بنا صلاة العصر ، فقام فلم يكد يركع ، ثم ركع ، فلم يكد يرفع ، ثم رفع ، فلم يكد يسجد ، ثم سجد ، فلم يكد يرفع ، ثم رفع ، فلم يكد يسجد ، ثم سجد ، ففعل في سجدته الثانية كما فعل في سجدته الأولى ، ثم جلس ، فلم يكد يسلم ، وامتثل ذلك في بقية صلاته ، حتى خفت أن يخرج وقت العصر ، فلما فرغ من صلاته أتيته ، فسألني عن أحوالي ، فأخبرته ولم أصبر ، فقلت له : أيها القاضي ، لقد خفت غروب الشمس قبل أن تقضي صلاتك ، فعن من أخذ القاضي هذه الصلاة ؟ فقال لي : يا أبا بكرة ، سبحان الله ، أو يذهب هذا عنك ؟ أخذتها من صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت له : ومن روى لك أن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت هكذا ؟

5039 - قال لنا بكار : فذكر ما قد حدثناه أبو داود ، قال : حدثنا المسعودي ، عن الحكم ، قال : قلت لعبد الرحمن بن أبي ليلى : ما [ ص: 43 ] رأيت أحدا أطول قياما من أبي عبيدة في الصلاة ، فقال : سمعت البراء بن عازب ، يقول : كان ركوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورفعه رأسه من الركوع ، وسجوده ، ورفعه رأسه من السجود ، سواء .

فقلت له : وأي حجة لك في هذا ؟ وقد يحتمل أن يكون هذا القول من البراء على إرادته به أن ركوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورفعه رأسه من الركوع ، وسجوده ، ورفعه رأسه من السجود سواء ، على أن ما بعد الركوع من الأشياء التي ذكرها في حديثه بجملتها تفي بالقيام والركوع ، ويدل على أن هذا الاحتمال أولى مما حملته أنت عليه ، أمره - صلى الله عليه وسلم - بالتخفيف في الصلاة لمن أم الناس .

5040 - وذكرت له ما قد حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا المسعودي ، قال : حدثني ابن موهب ، عن موسى بن طلحة ، عن عثمان بن أبي العاص - وما رأيت ثقفيا أفضل منه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أم الناس فليخفف بهم الصلاة ، فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة .

[ ص: 44 ] وقد أجاد أبو بكرة - رضي الله عنه - فيما حاج به جعفرا من هذا ، وفي هذا الباب آثار كثيرة غنينا عن ذكرها في هذا الباب بما قد ذكرناه منها فيه عن بكار .

قال أبو جعفر : وقد روى حديث البراء عن الحكم ، من هو أثبت من المسعودي ، وهو شعبة بن الحجاج .

5041 - كما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، قال : لما ظهر مطر بن ناجية على الكوفة ، أمر أبا عبيدة أن يصلي بالناس ، فكان أبو عبيدة يطيل الركوع ، وإذا رفع أطال القيام قدر ما يقول هذا الكلام : اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد .

فذكرت ذلك لابن أبي ليلى ، فحدثني عن البراء بن عازب : أن [ ص: 45 ] ركوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقيامه ، وإذا رفع رأسه من الركوع ، وسجوده وما بين السجدتين كان قريبا من السواء .


فعقلنا بذلك أن إطالة أبي عبيدة التي روى البراء لابن أبي ليلى فيها ما رواه له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث ، إنما كان مقدارها اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد ، وكان ما سوى ذلك في صلاته من الركوع ومن السجود ومن الجلوس بين السجدتين مقدار كل جنس منها هذا المقدار ، سوى اللازم في الجلوس من التشهد الذي قد علمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس ، وفي ذلك ما قد دل على ضد ما ظنه جعفر ، وتأول هذا الحديث عليه ، وبما قد ذكرنا من التخفيف من الإمام في الصلوات التي أم فيها الناس ، كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعده - رضوان الله عليهم - اقتداء به وتمسكا بسنته .

كما حدثنا سليمان بن شعيب ، قال : حدثنا الخصيب بن ناصح ، وكما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن المنهال ، قالا : حدثنا أبو الأشهب ، عن أبي رجاء العطاردي ، قال : [ ص: 46 ] قلت للزبير بن العوام - رضي الله عنه - : ما لي أراكم يا أصحاب محمد من أخف الناس صلاة ؟ فقال : نبادر الوسواس .

قال أبو جعفر : يعني بذلك الذي يوسوسه لهم الشيطان ، فأمروا بالتخفيف في الصلاة للمبادرة لذلك الوسواس حتى لا يدركهم فيها ، والله - عز وجل - نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية