الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 47 ] 800 - باب بيان مشكل ما روي عن عمر - رضي الله عنه - من نهيه أن يغالى في صدقات النساء ، ومن احتجاجه في ذلك بأصدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه ، ومن أصدقة أزواج بناته بناته

5042 - حدثنا أبو القاسم هشام بن محمد بن قرة بن أبي خليفة ، قال : حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي ، قال : حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، قال : حدثنا العمري ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر ، قال : ما ساق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أحد من أزواجه ولا بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية .

[ ص: 48 ]

5043 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو نعيم مرة أخرى ، قال : حدثنا العمري ، عن نافع ، عن ابن عمر بمثل ذلك ، ولم يذكر عمر فيه .

5044 - حدثنا أبو زرعة الدمشقي ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا العمري ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : أظنه عن عمر ثم ذكر مثله .

قال لنا أبو زرعة : ليس الشك مني ، ولكنه في الحديث ، فاختلف فهد وأبو زرعة على أبي نعيم في هذا الحديث كما ذكرنا .

5045 - حدثنا روح بن الفرج ، قال : حدثنا يوسف بن عدي ، قال : حدثنا القاسم بن مالك المزني ، عن أشعث ، عن الشعبي ، عن شريح ، عن عمر أنه خطب ، فقال : لا تغلوا صدقات النساء ، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا والآخرة ، كان أحقكم بها وأولاكم محمد - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته ، ما تزوج ثيبا من نسائه ، ولا زوج ثيبا من بناته بأكثر من ثنتي عشرة أوقية .

قال أبو جعفر : سمعت هذا الحديث من روح وحفظته وكتبته ، ثم وجدت بعضه قد ذهب من كتابي بانقلاع أسحاة منه ، فكتبته من أصله بعد وفاته هكذا .

[ ص: 49 ]

5046 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا أزهر بن سعد السمان ، عن ابن عون ، عن محمد عن أبي العجفاء ، عن عمر - رضي الله عنه - قال : لا تغلوا في صداق النساء ، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا ، أو تقوى عند الله - عز وجل - كان أولاكم بها النبي - صلى الله عليه وسلم - ما زوج ثيبا من بناته ، ولا تزوج امرأة من نسائه بأفضل من ثنتي عشرة أوقية .

5047 - وحدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا علي بن حجر ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب وابن عون وسلمة بن علقمة وهشام بن حسان - دخل حديث بعضهم في حديث بعض - عن محمد بن سيرين ، قال سلمة : عن ابن سيرين ، نبئت عن أبي العجفاء ، وقال الآخرون : عن محمد بن سيرين ، عن أبي العجفاء ، قال : قال عمر : ألا لا تغلوا صدقات النساء ، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا ، أو تقوى عند الله - عز وجل - كان أولاكم بها النبي - صلى الله عليه وسلم - . ما أصدق امرأة من نسائه ، ولا أصدق امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية ، ألا وإن أحدكم ليغلي بصداق امرأته حتى يبقى لها عداوة في نفسه ، فيقول : لقد كلفت إليك علق القربة ، أو قال : عرق القربة .

[ ص: 50 ]

5048 - وحدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا سريج بن النعمان ، قال : حدثنا هشيم .

5049 - وحدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا هشيم ، ثم اجتمعا ، فقالا : قال : أخبرنا منصور [ ص: 51 ] - يعني ابن زاذان - عن ابن سيرين ، قال : حدثنا أبو العجفاء السلمي ، قال : سمعت عمر بن الخطاب وهو يخطب الناس ، فحمد الله - عز وجل - وأثنى عليه ثم قال : ألا لا تغالوا في صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا ، أو تقوى عند الله - عز وجل - كان أولاكم بها النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ذكر بقية حديث أحمد بن شعيب .

5050 - حدثنا يزيد ، قال : حدثنا عبد الله بن حمران ، قال : حدثنا ابن عون ، عن محمد ، عن أبي العجفاء ، أو عن ابن أبي العجفاء ، قال : قال عمر ، ثم ذكر مثله .

قال أبو جعفر : ففي هذه الآثار عن عمر - رضي الله عنه - نهيه الناس أن يتجاوزوا في الأصدقة أصدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي كان أصدقها نساءه ، والأصدقة التي كان أزواج بناته أصدقوها بناته ، وكان ذلك منه عندنا - والله أعلم - إرادة منه أن تكون الأصدقة المرجوع إليها فيمن يستحق من النساء صداق مثله من نسائه على من يستحقه عليه من الأزواج ، أن يكون وسطا ، وأن لا يكون شططا ، ومثل هذا ما قد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنكره في زمنه .

5051 - كما حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا مؤمل بن [ ص: 52 ] إسماعيل ، قال : حدثنا سفيان ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن أبي حدرد ، قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله في صداق ، فقال : " كم أصدقت ؟ " قلت : مائتي درهم ، قال : لو كنتم تغرفون من بطحان ، لما زاد .

قال أبو جعفر : هكذا حدثناه بكار .

5052 - وقد حدثناه يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم التيمي : أن أبا حدرد تزوج امرأة ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعينه في صداقها ، ثم ذكره .

[ ص: 53 ] وكانت الأصدقة التي كان - صلى الله عليه وسلم - يصدقها نساءه ما قد ذكرناه في هذا الباب ، وكانت أصدقة من لم ينكر عليه ما أصدقه منها .

5053 - ما قد حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا إسماعيل بن عمر ، قال : حدثنا داود بن قيس ، عن موسى بن يسار ، عن أبي هريرة ، قال : كان صداقنا إذ كان فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر أواق ، وطبق بيديه ، وذلك أربعمائة .

5054 - وما قد حدثنا صالح ، قال : حدثنا سعيد ، قال : حدثنا هشيم ، قال : حدثنا حميد ، عن أنس : أن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - تزوج امرأة من الأنصار على وزن نواة من ذهب ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم : أولم ولو بشاة .

[ ص: 54 ] وقد روي عن عائشة فيما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصدقه نساءه .

5055 - ما قد حدثنا فهد ، قال : حدثنا النفيلي ، قال : حدثنا الدراوردي ، قال : أخبرني ابن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة ، قال : سألت عائشة عن صداق النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه ، فقالت : اثنتي عشرة أوقية ونشا ، قلت لها: ما النش ؟ قالت : نصف أوقية .

[ ص: 55 ]

5056 - وما قد حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا جدي ، قال : حدثني يحيى بن أيوب ، قال : حدثني ابن الهاد ، ثم ذكر بإسناده مثله ، وزاد فيه : هكذا كان صداق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه وبناته .

وقد روي عن غيرها في ذلك

5057 - ما قد حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا هدبة بن خالد ، قال : حدثنا أبو هلال ، قال : حدثنا حميد بن هلال ، قال : خطب عمرو بن حريث إلى عدي بن حاتم ابنته ، فقال : ما أنا بمزوجك إلا بحكمي ، فأقبل عليه بعض أصحابه ، فقال : والله ، لامرأة من قريش ، أحب إلينا من امرأة من طيئ على حكم أبيها ، فقال : إن ذاك لكذلك ، ثم أبت نفسه أن تدعه إلا أن يخطب إليه ، فقال : ما أنا بمزوجك إلا على حكمي ، قال : قد حكمتك ، قال : اذهب ، فقد أنكحتكها ، فانطلق عمرو ، فبات ولم ينم ، مخافة أن يحكم عليه بما لا يطيق ، فلما أصبح أرسل إليه : بين لي ما حكمت علي حتى أبعث به إليك ، قال : أحكم عليك بأربعمائة وثمانين درهما سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إليه بها ، وأرسل إليه بعشرة آلاف ، أو عشرين ألفا - شك هدبة - فقال : جهزها بهذا .

[ ص: 56 ] وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يوافق حديث أبي حدرد .

5058 - وحدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا أبو نعيم ، عن ابن عيينة ، عن أبي إسماعيل ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رجل : يا رسول الله تزوجت امرأة - أو خطبت امرأة ، أو ذكر امرأة - قال : انظر إليها ، فإن في عيون الأنصار شيئا ، قال : "كم أصدقتها ؟ " قال : ثمان أواق . قال : " لو كان أحدكم ينحت من الجبل ، ما زاد .

[ ص: 57 ] قال أبو جعفر : فكان عمر - رضي الله عنه - على ما كان عليه مما قد ذكرناه عنه حتى احتج عليه من كتاب الله بما قامت به الحجة عليه في إباحة أعلى الأصدقة .

5059 - حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا مجالد ، عن الشعبي ، قال : خطب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في الناس ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : لا تغالوا في صدق النساء ، فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه النبي - صلى الله عليه وسلم - أو سيق إليه ، إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال .

ثم نزل ، فعرضت له امرأة من قريش ، فقالت : يا أمير المؤمنين ، كتاب الله أحق أن يتبع ، أو قولك ؟ قال : بل كتاب الله ، بم ذاك ؟ فقالت : إنك نهيت الناس آنفا أن يغالوا في صدق النساء ، والله - عز وجل - يقول في كتابه : وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ، فقال عمر : كل أحد أفقه من عمر ، مرتين أو ثلاثا ، ثم رجع إلى المنبر فقال للناس : إني كنت نهيتكم أن تغالوا في صدق النساء ، فليفعل رجل في ماله ما شاء
.

[ ص: 58 ] قال أبو جعفر : وكان هذا من عمر بعد قيام الحجة عليه هو الواجب عليه ، وكان ما كان منه قبل ذلك من النظر للناس هو الواجب عليه لما أداه إليه اجتهاده فيه ، فلما قامت عليه الحجة من الله - عز وجل - في خلاف ذلك رجع إليه ، وأمر بما قد ذكرناه عنه - فرضوان الله عليه - وهذا مما يدل على صحة ما ذهبنا إليه في اجتهاد الرأي مما قد تقدم ذكرنا له في كتابنا هذا ، ثم قد كان منه - رضي الله عنه - في نفسه .

ما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عامر العقدي ، عن عبد الله بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن جده : [ ص: 59 ] أن عمر أصدق أم كلثوم ابنة علي أربعين ألفا .

وقد تقدمه في ذلك ما أصدق عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يتجاوز المقدار الذي كان وقف عليه عمر مما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصدقه نساءه مما قد ذكرنا في هذا الباب .

5060 - كما قد حدثنا محمد بن سليمان الباغندي ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل الجبلي - وهذا رجل محمود الرواية - قال : حدثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : ما أصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدا من نسائه ولا بناته فوق ثنتي عشرة أوقية ، إلا أم حبيبة ، فإن النجاشي زوجه إياها ، وأصدقها أربعة آلاف ، ونقد عنه ولم يعطها النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا .

هكذا حدثنا الباغندي هذا الحديث عن الجبلي ، عن ابن المبارك ، [ ص: 60 ] .

وقد خالفه فيه نعيم بن حماد 5061 - كما حدثنا فهد ويحيى بن عثمان ، قالا : حدثنا نعيم ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن أم حبيبة : أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش ، وكان رحل إلى النجاشي ، فمات ، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج أم حبيبة ، وإنها لبأرض الحبشة ، زوجها إياه النجاشي ، وأمهرها أربعة آلاف من عنده ، وبعث بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع شرحبيل ابن حسنة ، وجهازها كله من عند النجاشي ، ولم يرسل إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيء ، وكان مهور أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعمائة درهم .

[ ص: 61 ] قال أبو جعفر : وفي ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الإنكار على النجاشي ، ما قد دل على إباحة قليل الأصدقة وكثيرها ، والله - عز وجل - نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية