الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب ما يحدثه الرجل في الطريق وغيره

لما ذكر القتل مباشرة فيه تسببا فقال ( أخرج إلى طريق العامة كنيفا ) هو بيت الخلاء ( أو ميزابا أو جرصنا كبرج وجذع وممر علو وحوض طاقة ونحوها عيني أو دكانا جاز ) إحداثه ( وإن لم يضر بالعامة ) ولم يمنع منه ، فإن ضر لم يحل كما سيجيء ( ولكل أحد من أهل الخصومة ) ولو ذميا ( منعه ) ابتداء ( ومطالبته بنقضه ) [ ص: 593 ] ورفعه ( بعده ) أي بعد البناء ، سواء كان فيه ضرر أو لا وقيل إنما ينقص بخصومته إذا لم يكن له مثل ذلك وإلا كان تعنتا زيلعي ( هذا ) كله ( إذا بنى لنفسه بغير إذن الإمام ) زاد الصفار ولم يكن للمطالب مثله ( وإن بنى للمسلمين كمسجد ونحوه ) أو بنى بإذن الإمام ( لا ) ينتقض ( وإن كان يضر بالعامة لا يجوز إحداثه ) لقوله عليه الصلاة والسلام { لا ضرر ولا ضرار في الإسلام } ( والقعود في الطريق لبيع وشراء ) يجوز إن لم يضر بأحد وإلا لا ( على هذا التفصيل ) السابق وهذا في النافذ ( وفي غير النافذ لا يجوز أن يتصرف بإحداث مطلقا ) أضر بهم أو لا [ ص: 594 ] ( إلا بإذنهم ) لأنه كالملك الخاص بهم ثم الأصل فيما جهل حاله أن يجعل حديثا لو في طريق العامة وقديما لو في طريق الخاصة برجندي ( فإن مات أحد ) من الناس ( بسقوطها عليه فديته على عاقلته ) أي عاقلة المخرج لتسببه ( كما ) تدي العاقلة .

التالي السابق


باب ما يحدثه الرجل في الطريق وغيره

( قوله إلى طريق العامة ) أي النافذة الواقعة في الأمصار والقرى دون الطريق في المفاوز والصحاري ; لأنه يمكن العدول عنها غالبا كما في الزاهدي ، وطريق العامة ما لا يحصى قومه ، أو ما تركه للمرور قوم بنوا دورا في أرض غير مملوكة فهي باقية على ملك العامة وهذا مختار شيخ الإسلام والأول مختار الإمام الحلواني كما في العمادي قهستاني ( قوله أو جرصنا ) بضم الجيم وسكون الراء وضم الصاد المهملة وهو دخيل أي ليس بعربي أصلي فقد اختلف فيه فقيل البرج وقيل مجرى ماء يركب في الحائط . وعن الإمام البزدوي جذع يخرجه الإنسان من الحائط ليبني عليه مغرب . قال العيني : وقيل هو الممر على العلو وهو مثل الرف ، وقيل هو الخشبة الموضوعة على جدار السطحين ليتمكن من المرور وقيل هو الذي يعمل قدام الطاقة لتوضع عليه كيزان ونحوها ا هـ ( قوله كبرج إلخ ) حكاية للأقوال المارة في تفسير الجرصن ( قوله ونحوها ) هو في عبارة العيني بمعنى نحو الكيزان ( قوله أو دكانا ) هو الموضع المرتفع مثل المصطبة عيني ( قوله فإن ضر لم يحل ) كان عليه أن يقول فإن ضر أو منع لم يحل ا هـ .

وفي القهستاني : ويحل له الانتفاع بها وإن منع عنه كما في الكرماني ، وقال الطحاوي : إنه لو منع عنه لا يباح له الإحداث ويأثم بالانتفاع والترك كما في الذخيرة ( قوله من أهل الخصومة ) هو الحر البالغ العاقل بخلاف العبيد والصبيان المحجورين ، وأفاد في الدرر المنتقى أن لهم ذلك بالإذن ( قوله ولو ذميا ) ; لأن له حقا في الطريق كفاية . وعبارة التتارخانية : ويدخل [ ص: 593 ] فيه الكافر خصوصا إذا كان ذميا ا هـ فتنبه ( قوله سواء كان فيه ضرر أو لا ) هذا هو الصحيح من مذهب الإمام وقال محمد : له المنع لا الرفع ، وقال أبو يوسف لا ولا ، وهذا إذا علم إحداثه فلو لم يعلم جعل حديثا فللإمام نقضه وعن أبي يوسف إنما ينقضه إن ضر بهم در منتقى ( قوله وقيل إلخ ) قائله إسماعيل الصفار كما في الزيلعي ( قوله وإلا كان تعنتا ) ; لأنه لو أراد إزالة الضرر عن الناس لبدأ بنفسه كفاية ( قوله بغير إذن الإمام ) فإن أذن فليس لأحد أن يلزمه وأن ينازعه ، لكن لا ينبغي للإمام أن يأذن به إذا ضر بالناس بأن كان الطريق ضيقا ، ولو رأى المصلحة مع ذلك وأذن جاز ا هـ حموي عن مسكين وفي الشمني أنه مع الضرر لا يجوز بلا خلاف أذن الإمام أو لم يأذن ا هـ ط ولعل المراد يأثم به ، وإن لم يكن لأحد منازعته ; لأن منازعة ما يوضع بإذن الإمام افتيات على الإمام ، فلا يخالف ما قبله تأمل .

( قوله زاد الصفار إلخ ) هو القيل المتقدم المفصل ، فلا وجه لإعادته وظاهر كلامهم اعتماد الإطلاق لحكايتهم ، هذا القول منسوبا إلى الكفار به بعد حكاية الحكم أولا مطلقا ، فكأنه قول الجميع ، والوجه : أن النهي عن المنكر لا يتقيد بكون الناهي متباعدا عن هذا المنكر كما سبق في الحظر ط .

أقول : هذا الوجه إنما يظهر لو كان فيه ضرر ; لأنه حينئذ منكر فتدبر ( قوله وإن بنى للمسلمين ) أي ولم يضر بهم كما في القهستاني ( قوله أو بنى بإذن الإمام ) ظاهره أنه لو بنى بإذنه ، فليس لأحد منازعته ، وإن ضر وقدمناه صريحا عن مسكين ، ويدل عليه ما سيأتي من عدم الضمان لو بإذن الإمام ، وفي الكفاية وغيرها قال أبو حنيفة : لكل أحد من عرض الناس أن يمنعه من الوضع ، وأن يكلفه الرفع بعد الوضع ، سواء كان فيه ضرر أو لا إذا وضع بغير إذن الإمام ; لأن التدبير فيما يكون للعامة إلى الإمام لتسكين الفتنة فالذي وضع بغير إذنه يفتات على رأي الإمام فيه فلكل أحد أن ينكره عليه ا هـ والافتيات السبق صحاح فافهم ( قوله وإن كان يضر ) مقابل قوله جاز إن لم يضر ( قوله لا ضرر ولا ضرار ) أي لا يضر الرجل أخاه ابتداء ولا جزاء ; لأن الضرر بمعنى الضر ، ويكون من واحد والضرار من اثنين بمعنى المضارة ، وهو أن تضر من ضرك مغرب ، والضرر في الجزاء هو أن يتعدى المجازي عن قدر حقه في القصاص وغيره كفاية ( قوله والقعود ) وكذا الغرس قهستاني ( قوله يجوز إن لم يضر بأحد ) الأنسب في التعبير أن يضع هذه الجملة بعد قوله على هذا التفصيل ط ( قوله وفي غير النافذ إلخ ) المراد بغير النافذة المملوكة ، وليس ذلك بعلة الملك فقد تنفذ : وهي مملوكة وقد يسد منفذها : وهي للعامة لكن ذلك دليل على الملك غالبا فأقيم مقامه ووجب العمل به حتى يدل الدليل على خلافه كفاية عن الجامع الصغير لفخر الإسلام ( قوله لا يجوز أن يتصرف بإحداث ) أقول في الخانية قال أبو حنيفة : الطريق لو كان غير نافذ فلأصحابه أن يضعوا فيه الخشبة ، ويربطوا فيه الدواب ، ويتوضئوا فيه فلو عطب أحد لا يضمن ، وإن بنى أو حفر بئرا ضمن ا هـ .

وفي الجامع الفصولين : أراد أن يتخذ طينا فيه لو ترك من الطريق قدر المرور ، ويتخذ في الأحايين مرة ويرفعه سريعا فله ذلك ، ولكل إمساك الدواب على باب داره ; لأن السكة التي لا تنفذ كدار مشتركة ، ولكل من الشركاء أن يسكن في بعض الدار لا أن يبني فيها وإمساك الدواب في بلادنا من السكنى ا هـ . [ ص: 594 ] وفي التتارخانية : إن فعل في غير النافذة ما ليس من جملة السكنى لا يضمن حصة نفسه ويضمن حصة شركائه ، وإن من جملة السكنى فالقياس كذلك والاستحسان لا يضمن شيئا ا هـ ومثله في الكفاية أقول : وبه ظهر أن المراد لا يجوز إحداث شيء مما مر كالميزاب والدكان ونحو ذلك مما يبقى كما أفاده السائحاني ( قوله إلا بإذنهم ) أي كلهم حتى المشتري من أحدهم بعد الإذن لما في الخانية رجل أحدث بناء أو غرفة على سكة غير نافذة ، ورضي بها أهل السكة فجاء رجل من غير أهلها واشترى دارا منها كان للمشتري أن يأمر صاحب الغرفة برفعها ا هـ سائحاني ( قوله لأنه كالملك ) الأولى لأنه ملك بلا تشبيه كما فعل في الهداية ودل عليه ما قدمناه عن الجامع ( قوله ثم الأصل إلخ ) فائدته أن الحديث للإمام نقضه والقديم لا ينقضه أحد كما في القهستاني قال السائحاني : فإن بر هنا فبينة القدم في البناء تقدم وفي الكافي بينة الحدوث فعلها في غير البناء كمسيل واستطراق وقال الشيخ خير الدين عن الصغرى : يجعل أقصى الوقت الذي تحفظه الناس حد القديم وهذا في غاية الحسن ا هـ ( قوله فديته على عاقلته ) وكذا لو جرحه إن بلغ أرشه أرش الموضحة وإن كان دونه ففي ماله كفاية وأشعر بأنه لا تجب الكفارة ، ولا يحرم من الميراث كما في الذخيرة قهستاني




الخدمات العلمية