الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله : فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ؛ أي ظلم أشنع من الكذب على الله؟! وقوله : أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ؛ أي : ما أخبر الله - جل ثناؤه - عن جزائهم؛ نحو قوله : فأنذرتكم نارا تلظى ؛ [ ص: 335 ] ونحو قوله : يسلكه عذابا صعدا ؛ ونحو قوله : إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ؛ ونحو : إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ؛ فهذه أنصبتهم من الكتاب؛ على قدر ذنوبهم في كفرهم؛ حتى إذا جاءتهم رسلنا ؛ زعم سيبويه ؛ والخليل أن " حتى " ؛ و " أما " ؛ و " إلا " ؛ لا تجوز فيهن الإمالة؛ لا يجيز : " حتي إذا جاءتهم " ؛ ولا يجيز " أما " ؛ ولا " لا إله إلا الله " ؛ هذا لحن كله؛ وزعم أن هذه ألفات الفتح؛ لأنها أواخر حروف جاءت لمعنى؛ ففصل بينها وبين أواخر الأسماء التي فيها الألف؛ نحو : " حبلى " ؛ و " هدى " ؛ إلا أن " حتى " ؛ كتبت بالياء؛ لأنها على أربعة أحرف؛ فأشبهت " سكرى " ؛ و " أما " ؛ التي للتخيير شبهت بـ " إن " ؛ التي ضمت إليها " ما " ؛ مثل قوله : إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ؛ كتبت بالألف لما وصفنا؛ و " إلا " ؛ أيضا كتبت بالألف لأنها لو كتبت بالياء لأشبهت " إلى " .

                                                                                                                                                                                                                                        وقوله : حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم ؛ فيه - والله أعلم - وجهان؛ يكون " حتى إذا جاءتهم ملائكة الموت يتوفونهم سألوهم عند المعاينة؛ فيعرفون عند موتهم أنهم كانوا كافرين " ؛ لأنهم قالوا : أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا ؛ أي : بطلوا؛ وذهبوا. [ ص: 336 ] ويجوز - والله أعلم - أن يكون " حتى إذا جاءتهم رسلنا ملائكة العذاب يتوفونهم " ؛ فيكون " يتوفونهم " ؛ في هذا الموضع على ضربين؛ أحدهما " يتوفونهم عذابا " ؛ وهذا كما تقول : " قد قتلت فلانا بالعذاب " ؛ وإن لم يمت؛ ودليل هذا القول قوله - عز وجل - : ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ؛ وجائز - وهو أضعف الوجهين - أنهم يتوفون عدتهم؛ والله أعلم.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية