الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        472 [ ص: 27 ] ( 4 ) باب ما جاء في القرآن

                                                                                                                        447 - ذكر فيه عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القارئ ; أنه قال : سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها ، فكدت أن أعجل عليه ، ثم أمهلته حتى انصرف ، ثم لببته بردائه فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقلت : يا رسول الله ، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أرسله " ثم قال : " اقرأ يا هشام " فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هكذا أنزلت " ثم قال لي : اقرأ فقرأتها . فقال : " هكذا أنزلت ; إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ، فاقرءوا ما تيسر منه " .

                                                                                                                        [ ص: 28 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 28 ] 10389 - وهذا الحديث قد تكلمنا على إسناده ، وأشبعنا القول في معانيه ، واجتلبنا ما لعلماء السلف والخلف فيه ، واستوعبنا ذلك كله في ( التمهيد ) ونذكر فيه هاهنا ما فيه دلالة كافية إن شاء الله :

                                                                                                                        10390 - روى هذا الحديث معمر ، ويونس ، وعقيل ، وشعيب بن أبي حمزة ، وابن أخي ابن شهاب ، عن عروة ، عن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القارئ جميعا ، سمعا عمر بن الخطاب بمعنى حديث مالك ، إلا أن معمرا قال فيه عن عمر : فقلت : يا رسول الله ، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها ، وأنت أقرأتني سورة الفرقان . . " .

                                                                                                                        10391 - فبان في رواية معمر أن الخلاف بين هشام وعمر كان في حروف من السورة ، وهذا تفسير لرواية مالك ، لأن ظاهرها في قوله يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأها ، يقتضي عموم السورة كلها ، وليس كذلك .

                                                                                                                        10392 - وقد ظهر الخصوص برواية معمر ومن تابعه في ذلك .

                                                                                                                        10393 - ومعلوم عند الجميع أن القرآن لا يجوز في حروفه كلها ولا في سورة منه واحدة أن تقرأ حروفها كلها على سبعة أوجه ، بل لا توجد في القرآن كلمة تقرأ [ ص: 29 ] على سبعة أوجه إلا قليلا من كثير مثل : " ربنا باعد بين أسفارنا " الآية 19 من سورة سبأ و " وعبد الطاغوت " الآية 60 من سورة المائدة و " إن البقر تشابه علينا " الآية 70 من سورة البقرة و " بعذاب بئيس " الآية 165 من سورة الأعراف ونحو ذلك . وهو يسير في جنب غيره من القرآن .

                                                                                                                        10394 - وقد اختلف العلماء وأهل اللغة في معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " نزل القرآن على سبعة أحرف " اختلافا كثيرا تقصيناه في ( التمهيد ) ، ونورد منه هاهنا عيونها إن شاء الله :

                                                                                                                        [ ص: 30 ] [ ص: 31 ] [ ص: 32 ] [ ص: 33 ] [ ص: 34 ] 10395 - قال الخليل بن أحمد : معنى قوله : " سبعة أحرف " سبع قراءات . [ ص: 35 ] قال : والحرف هاهنا القراءة .

                                                                                                                        10396 - وقال غيره : هي سبعة أنحاء ، كل نحو منها جزء من أجزاء القرآن خلاف غيره من أنحائه .

                                                                                                                        10397 - ذهبوا إلى أن الأحرف أنواع وأصناف ، فمنها : زاجر ، ومنها أمر ، ومنها حلال ومنها حرام ومنها محكم ومنها متشابه ومنها أمثال وغيره .

                                                                                                                        10398 - واحتجوا بحديث من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى ما ذكروا وهو حديث لا يحتج بمثله لضعفه عند أهل العلم بالحديث ، وقد ذكرته في ( التمهيد ) وذكرت العلة فيه .

                                                                                                                        10399 - وقد اعترض فيه من جهة النظر قوم من أهل العلم ، منهم : أحمد بن أبي عمران ، وأبو جعفر الطحاوي ، وغيرهما وقالوا : محال أن يكون الحرف كله حراما لا ما سواه وحلالا لا ما سواه ، وآمرا لا ناهيا ، وزاجرا لا مبيحا ، وامتثالا كله .

                                                                                                                        10400 - وقال آخرون : هي سبع لغات مفترقات في القرآن على لغة العرب .

                                                                                                                        [ ص: 36 ] كلها يمنها ونزارها ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجهل شيئا منها وكان قد أتي جوامع الكلم .

                                                                                                                        10401 - وإلى هذا ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام في تأويل هذا الحديث قال : يكون الحرف منها بلغة قبيلة ، والثاني بلغة قبيلة أخرى ، والثالث بلغة قبيلة ثالثة هكذا إلى السبعة .

                                                                                                                        10402 - قال : وقد يكون بعض الأحياء أسعد بها من بعض ، واحتج بقول عثمان واكتبوه بلغة قريش ، فإنه أكثر ما نزل بلسانهم .

                                                                                                                        10403 - وقد روي عن عمر أن القرآن نزل بلغة قريش ، كقول عثمان ( رضي الله عنهما ) .

                                                                                                                        10404 - حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال إبراهيم بن سعد عن الزهري عن أنس بن مالك عن عمر أنه قال : إنما نزل يعني القرآن بلسان قريش .

                                                                                                                        10405 - وعن ابن عباس نزل القرآن بلغة الكعبين : كعب قريش وكعب خزاعة قيل له وكيف ذلك ؟ قال : كانت دارهم واحدة .

                                                                                                                        10406 - قال أبو عبيد : يعني أن خزاعة جيران قريش .

                                                                                                                        10407 - حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا صالح بن نصر بن مالك الخزاعي ، قال : مر بي شعبة بن الحجاج فقال لي : يا خزاعي ، ألا أحدثك حديثا في قومك حدثنا قتادة عن أبي الأسود الديلي ، قال : نزل [ ص: 37 ] القرآن بلغة الكعبين : كعب بن عمرو ، وكعب بن لؤي .

                                                                                                                        10408 - قال : وحدثنا صالح ، قال : حدثنا هشيم ، قال : حدثنا ابن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس ، قال : نزل القرآن بلسان قريش ، ولسان خزاعة وذلك أن الدار واحدة .

                                                                                                                        10409 - وقال آخرون : هذه اللغات السبع كلها في مضر منها لقريش ، ومنها لكنانة ، ومنها لأسد ومنها لهذيل ، ومنها لنمر ، ومنها لضبة ، ومنها لقيس ومنها لطابخة .

                                                                                                                        10410 - قالوا : فهذه مضر تستوعب سبع لغات وتزيد على ذلك .

                                                                                                                        10411 - واحتجوا بقول عثمان : " نزل القرآن بلسان مضر " .

                                                                                                                        10412 - وأنكر آخرون أن تكون لغة مضر كلها في القرآن لأن منها شاذا [ ص: 38 ] لا يجوز أن يقرأ عليها القرآن ، مثل كشكشة قيس وعنعنة تميم .

                                                                                                                        10413 - وقد ذكرناها بالشواهد عليها في ( التمهيد ) .

                                                                                                                        10414 - وروى الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس ، قال : أنزل القرآن على سبعة أحرف صار منها في عجز هوازن خمسة .

                                                                                                                        10415 - قال أبو حاتم : عجز هوازن : ثقيف وبنو سعد بن بكر ، وبنو جشم ، وبنو نصر بن معاوية .

                                                                                                                        10416 - قال أبو حاتم : خص هؤلاء دون ربيعة وسائر العرب لقرب جوارهم من مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان ربيعة ومضر أخوين .

                                                                                                                        10417 - قال : وأحب الألفاظ واللغات إلينا أن نقرأ بها لغات قريش ، ثم أدناهم من بطون مضر .

                                                                                                                        10418 - وقال الكلبي في قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أنزل القرآن على سبعة أحرف " .

                                                                                                                        10419 - قال : خمسة منها لهوازن ، واثنان لسائر الناس .

                                                                                                                        10420 - وقال قائلون : لا يجوز أن يكون معنى السبعة الأحرف سبع لغات لأن [ ص: 39 ] العرب لا ينكر بعضها على بعض لغته ، لأن عمر بن الخطاب قرشي عدوي ، وهشام بن حكيم بن حزام قرشي أسدي ، ولغتهما واحدة ، ومحال أن تنكر على أحد لغته ، وكيف تنكر على امرئ لغة قد جبل عليها ، ومحال أيضا أن يقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا بغير لغته .

                                                                                                                        10421 - وقالوا : إنما معنى السبعة الأحرف سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة ، نحو : أقبل ، وتعال ، وهلم ، وعجل ، وأسرع وأنظر ، وأخر ، وأمهل .

                                                                                                                        10422 - وذلك بين في قراءة أبي بن كعب " انظرونا " : " أنظرونا نقتبس من نوركم " وأخرونا وأنسونا نقتبس من نوركم الآية الكريمة 13 من سورة الحديد ، فهذه كلمات كلها متفق مفهومها ، مختلف مسموعها ، وعلى هذا القول أكثر أهل العلم في معنى السبعة الأحرف .

                                                                                                                        10423 - وأما الآثار المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب فهي محتملة التأويل ، وقد ذكرناها في ( التمهيد ) مسندة .

                                                                                                                        10424 - منها : حديث أبي بن كعب ، وحديث ابن مسعود ، وحديث أبي [ ص: 40 ] الجهيم ، وحديث أبي بكرة ، وحديث أبي هريرة ، وحديث علي بن أبي طالب ( رضوان الله عليهم ) .

                                                                                                                        [ ص: 41 ] 10425 - وأكثرها طرقا وتواترا حديث أبي بن كعب .

                                                                                                                        10426 - ولحديث ابن مسعود ، وأبي هريرة طرق أيضا كثيرة ، كلها محتملة للتأويل ، قد نزع بها جماعة من العلماء ، وليس فيها شيء يرفع الإشكال ، ومن أراد الوقوف عليها نظر في ( التمهيد ) إليها .

                                                                                                                        10427 - ذكر أبو عبيد عن عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن عقيل ، ويونس عن ابن شهاب في الأحرف السبعة قال : هي في الأمر الواحد الذي لا اختلاف فيه .

                                                                                                                        10428 - وذكر عبد الرزاق عن معمر ، قال : قال الزهري : إنما هذه الأحرف في الأمر الواحد ليس يختلف في حلال ولا حرام .

                                                                                                                        10429 - وروى الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود ، قال : [ ص: 42 ] إني سمعت القرأة فرأيتهم متقاربين فاقرءوا كما علمتم ، وإياكم والتنطع والاختلاف ، فإنما هو كقول أحدكم : هلم وتعال .

                                                                                                                        10430 - وروى ورقاء عن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ : " للذين آمنوا انظرونا " الآية 13 من سورة الحديد ( للذين آمنوا أمهلونا ، للذين آمنوا أخرونا ، للذين آمنوا ارقبونا ) .

                                                                                                                        10431 - وبهذا الإسناد عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ : " كلما أضاء لهم مشوا فيه " الآية 20 من سورة البقرة ( مروا فيه سعوا فيه ) .

                                                                                                                        10432 - كل هذه الحروف كان يقرؤها أبي بن كعب .

                                                                                                                        10433 - فهذا معنى السبعة الأحرف المذكورة في الأحاديث عند جمهور أهل الفقه والحديث ، ومصحف عثمان ( رضي الله عنه ) الذي بأيدي الناس هو منها حرف واحد .

                                                                                                                        10434 - ذكر ابن أبي داود ، قال : حدثنا أبو الطاهر ، قال : سألت سفيان بن عيينة عن اختلاف قراءات المدنيين والعراقيين اليوم : هل تدخل في الأحرف السبعة ؟ فقال لا إنما السبعة الأحرف كقولك : " أقبل ، هلم ، تعال " أي ذلك قلت أجزأك .

                                                                                                                        10435 - قال أبو الطاهر : وقاله ابن وهب ، وبه قال محمد بن جرير الطبري .

                                                                                                                        [ ص: 43 ] 10436 - قال أبو جعفر الطحاوي في ذلك كلاما ذكرته عنه في ( التمهيد ) مختصره أن الأحرف السبعة إنما كانت في وقت خاص ، لضرورة دعت إلى ذلك ، لأن كل ذي لغة كان يشق عليه أن يتحول عن لغته ، ثم لما كثر الناس والكتاب ، ارتفعت تلك الضرورة ، فارتفع حكم الأحرف السبعة ، وعاد ما يقرأ به إلا حرف واحد .

                                                                                                                        10437 - واحتج بحديث أبي بن كعب ، وحديث عمر مع هشام بن حكيم وما يشبهها ، قد ذكرتها وأمثالها في ( التمهيد ) .

                                                                                                                        10438 - وقال بعض المتأخرين من أهل العلم باللغة والقرآن ومعانيه : تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة الأولى - يعني الأحرف السبعة - فوجدتها سبعة أنحاء .

                                                                                                                        10439 - منها : ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته مثل " هن أطهر لكم " { الآية 78 من سورة هود } و ( أطهر لكم ) " ويضيق صدري " الآية 13 من سورة الشعراء و ( يضيق ) ونحو هذا .

                                                                                                                        10440 - ومنها : ما يتغير معناه ويزول الإعراب ، ولا تتغير صورته ، مثل قوله " ربنا باعد بين أسفارنا " الآية 19 من سورة سبأ ( ربنا باعد بين أسفارنا ) .

                                                                                                                        10441 - ومنها : ما يتغير معناه من الحروف واختلافها ولا تتغير صورته مثل قوله : [ ص: 44 ] " إلى العظام كيف ننشزها " ، و ( ننشرها ) الآية 259 من سورة البقرة .

                                                                                                                        10442 - ومنها : ما تتغير صورته ، ولا يتغير معناه كقولك : " كالعهن المنفوش " و ( كالصوف ) الآية 5 من سورة القارعة .

                                                                                                                        10443 - ومنها : ما تتغير صورته ومعناه مثل قوله : " وطلح منضود " و ( طلع منضود ) الآية 29 من سورة الواقعة .

                                                                                                                        10444 - ومنها : بالتقديم والتأخير مثل : " وجاءت سكرة الموت بالحق " الآية 19 من سورة ق و ( جاءت سكرة الحق بالموت ) .

                                                                                                                        10445 - ومنها بالزيادة والنقصان مثل : " تسع وتسعون نعجة " الآية 23 من سورة ص و ( تسع وتسعون نعجة أنثى ) .

                                                                                                                        10446 - قال أبو عمر : قد ذكرت في ( التمهيد ) أمثلة كثيرة لما ذكر هذا القائل في كل وجه من الوجوه السبعة .

                                                                                                                        10447 - وذكرت من قرأ بذلك كله من السلف ، بمثل قوله في الزيادة : ( نعجة أنثى ) قوله : " وأما الغلام فكان كافرا وأبواه مؤمنين " الآية 80 من سورة الكهف وقوله " فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ولقد " الآية 33 من سورة النور وهو كثير .

                                                                                                                        10448 - والذي أقول به إن جمع عثمان ( رضي الله عنه ) في جماعة الصحابة ( رضوان الله عليهم ) القرآن على حرف واحد بكتابة زيد بن ثابت ، إنما حملهم على ذلك ما اختلف فيه أهل العراق وأهل الشام حين اجتمعوا في بعض المغازي ، فخطأت كل طائفة منهم الأخرى فيما خالفتها فيه من قراءتها ، وصوبت ما تعلم من ذلك ، وكان أهل العراق قد أخذوا عن ابن مسعود وأهل الشام قد أخذوا عن [ ص: 45 ] غيره من الصحابة ، فخاف الصحابة ( رحمهم الله ) من ذلك الاختلاف لما كان عندهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم من النهي عن الاختلاف في القرآن ، وأن المراء فيه كفر .

                                                                                                                        10449 - وقد كانت عامة أهل العراق وعامة أهل الشام ، هموا بأن يكفر بعضهم بعضا ، تصويبا لما عنده ، وإنكارا لما عند غيره ، فاتفق رأي الصحابة وعثمان ( رضوان الله عليهم ) على أن يجمع لهم القرآن على حرف واحد من تلك السبعة الأحرف إذ صح عندهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كلها شاف كاف " فاكتفوا ( رحمهم الله ) بحرف واحد منها ، فأمر عثمان زيد بن ثابت ذلك ، فأملاه على من كتبه ممن أمره عثمان بذلك على ما هو مذكور في غير موضع .

                                                                                                                        10450 - وأخبار جمع عثمان المصحف كثيرة ، وقد ذكرنا في ( التمهيد ) منها طرفا .

                                                                                                                        10451 - وأما جمع أبي بكر للقرآن فهو أول من جمع ما بين اللوحين .

                                                                                                                        10452 - وجمع علي بن أبي طالب للقرآن أيضا عند موت النبي صلى الله عليه وسلم وولاية [ ص: 46 ] أبي بكر ، فإنما كل ذلك على حسب الحروف السبعة ، لا كجمع عثمان على حرف واحد ، حرف زيد بن ثابت ، وهو الذي بأيدي الناس بين لوحي المصحف اليوم .

                                                                                                                        10453 - وفي ( التمهيد ) بيان ما وصفنا عن أبي بكر ، وعن علي ( رضي الله عنهما ) بالآثار الواردة بذلك .

                                                                                                                        10454 - حدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا أبو الطاهر محمد بن أحمد بمصر ، قال : حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد المشقاصي الفريابي القاضي ، قال : حدثنا أبو جعفر النفيلي ، قال : قرأت على معقل بن عبيد الله عن عكرمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال : أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة بينا أنا في المسجد إذ سمعت رجلا يقرؤها بخلاف قراءتي ، فقلت : من أقرأك هذه السورة ؟ فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : لا تفارقني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيناه ، فقلت : يا رسول الله ، إن هذا قد خالف قراءتي في هذه السورة التي علمتني ، فقال : " اقرأ يا أبي " فقرأت ، فقال : " أحسنت " وقال للآخر : " اقرأ " فقرأ بخلاف قراءتي فقال له : " أحسنت " ثم قال : " يا أبي ! إنه أنزل على سبعة أحرف ، كلها شاف كاف " قال فما اختلج في صدري شيء من القرآن .

                                                                                                                        10455 - روى قتادة عن يحيى بن يعمر عن سليمان بن صرد عن أبي بن كعب ، قال : قرأ أبي آية ، وقرأ ابن مسعود خلافها ، وقرأ رجل آخر خلافهما ، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر الحديث ، وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كلكم محسن ( مجمل ) إن [ ص: 47 ] هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ليس منها إلا شاف كاف وذكر تمام الخبر .

                                                                                                                        10456 - وذكر " ابن وهب " في كتاب الترغيب من جامعه ، قال : قيل لمالك : أترى أن نقرأ بمثل ما قرأ به عمر بن الخطاب : فامضوا إلى ذكر الله بدلا من قوله " فاسعوا إلى ذكر الله " الآية 9 من سورة الجمعة فقال ذلك جائز ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرءوا منها ما تيسر " .

                                                                                                                        10457 - وقال مالك : لا أرى باختلافهم في مثل هذا بأسا ، قال : وقد كان الناس ولهم مصاحف ، والستة الذين أوصى إليهم عمر بن الخطاب كانت لهم مصاحف .

                                                                                                                        10458 - قال ابن وهب : وسألت مالكا عن مصحف عثمان ; فقال ذهب .

                                                                                                                        10459 - قال أبو عمر : قراءة عمر ( فامضوا إلى ذكر الله ) الآية 9 من سورة الجمعة هي قراءة ابن مسعود .

                                                                                                                        10460 - وهذه الرواية عن مالك ، خلاف رواية ابن القاسم ، وخلاف ما عليه جماعة الفقهاء أنه لا يقرأ في الصلاة بغير ما في مصحف عثمان بأيدي الناس ، فلذلك قال مالك الذي في رواية أصحابه عنه غير ابن وهب أنه لا يقرأ بحرف ابن مسعود لأنه خلاف ما في مصحف عثمان .

                                                                                                                        10461 - روى عيسى عن ابن القاسم في المصحف بقراءة ابن مسعود ، قال : أرى أن يمنع الناس من بيعه ، ويضرب من قرأ به ، ويمنع من ذلك .

                                                                                                                        10462 - قال أبو عمر : الذي عليه جماعة الأمصار من أهل الأثر والرأي ، أنه [ ص: 48 ] لا يجوز لأحد أن يقرأ في صلاته نافلة كانت أو مكتوبة بغير ما في المصحف المجتمع عليه ، سواء كانت القراءة مخالفة له منسوبة لابن مسعود ، أو إلى أبي ، أو إلى ابن عباس ، أو إلى أبي بكر ، أو عمر ، أو مسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        10463 - وجائز عند جميعهم القراءة بذلك كله في غير الصلاة ، وروايته ، والاستشهاد به على معنى القرآن ، ويجري عندهم مجرى خبر الواحد في السنن ، لا يقطع على عينه ولا يشهد به على الله تعالى ، كما يقطع على المصحف الذي عند جماعة الناس من المسلمين عامتهم وخاصتهم مصحف عثمان ، وهو المصحف الذي يقطع به ويشهد على الله عز وجل وبالله التوفيق .

                                                                                                                        10464 - قال أبو عمر : قد ذكرنا في ( التمهيد ) ما في سورة الفرقان من اختلاف القراءات عن السلف والخلف لأن حديث مالك ورد بذكر سورة الفرقان خاصة ، فذكرنا ما فيها من اختلاف حروفها ، مستوعبا بذلك والحمد لله .

                                                                                                                        [ ص: 49 ] [ ص: 50 ] [ ص: 51 ] [ ص: 52 ] [ ص: 53 ] [ ص: 54 ] 10465 - وفي هذا الحديث ما يدل على أن في جبلة الإنسان وطبعه وإن كان فاضلا أن ينكر ما يعرف خلافه ، وإن جهل ما أنكر من ذلك لأن الذي بيده من ذلك علم يقين فلا يزول عنه إلى غير إلا بمثله من العلم واليقين ، وكذلك لا يسوغ خلافه إلا بمثل ذلك . وفيه بيان ما كان عليه عمر ( رضي الله عنه ) من أنه لا يراعي في ذات الله قريبا ولا بعيدا ولا عدوا ولا صديقا ، وقد كان شديد التفضيل لهشام بن حكيم بن حزام ( رضي الله عنه ) ، ولكنه إذ سمع منه ما أنكره لم يسامحه حتى عرف موضع الصواب فيه ، وكان لا يخاف في الله لومة لائم .

                                                                                                                        10466 - ذكر وهب عن مالك ، قال : كان عمر إذا خشي وقوع أمر قال : أما ما بقيت أنا وهشام بن حكيم فلا .

                                                                                                                        10467 - وفيه بيان استعمالهم لمعنى الآية العامة لهم ولمن بعدهم ، وهي قوله عز وجل : " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول " الآية 59 من سورة النساء يعني إن كان حيا ، فإن مات فإلى سنته كذا قال أهل العلم بالتأويل ، والله الموفق للصواب .

                                                                                                                        [ ص: 55 ] وبعد هذا في هذا الباب من الموطأ حديث




                                                                                                                        الخدمات العلمية