الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان إخبارهم بغير الواقع في ذلك اليوم مستبعدا بعد رفع الحجاب عن الأهوال وإظهار الزلازل والأوجال - أشار إليه بأداة البعد ، فقال : ثم لم تكن فتنتهم أي : عاقبة مخالطتنا لهم بهذا السؤال وأمثاله من البلايا التي من شأنها أن يميل ما خالطته فتحيله [و] لو أنه جبل - عن حاله بما ناله من قوارعه وزلزاله إلا كذبهم في ذلك الجمع ، وهو معنى قوله : إلا أن قالوا ثباتا منهم فيما هم عريقون فيه من وصف الكذب : والله فذكروا الاسم الأعظم الذي تندك لعظمته الجبال الشم ، وتنطق بأمره الأحجار الصم ، الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى التي ظهر لهم كثير منها في ذلك اليوم ، وأكدوا ذلك بذكر الوصف المذكر بتربيتهم ودوام الإحسان إليهم فقالوا : ربنا فلم يقنعوا بمجرد الكذب حتى أقسموا ، ولا بمجرد القسم حتى ذكروا الاسم الجامع والوصف المحسن ما كنا مشركين أي : إن تكذيبهم لك أوصلهم إلى حد يكذبون فيه في ذلك اليوم بعد كشف الغطاء تطمعا بما لا ينفعهم ، [ ص: 82 ] كما ترى الحائر المدهوش في الدنيا يفعل مثل ذلك فهو إيئاس من فلاح الجميع : المشركين وأهل الكتاب ، أو يكون المعنى تنديما لهم وتأسيفا : أنه لم يكن عاقبة كفرهم الذي افتتنوا به في لزومه والافتخار به والقتال عليه - لكونه دين الآباء - إلا جحوده والبراءة منه والحلف على الانتفاء من التدين به ، والمعنى على قراءتي النصب والرفع في (فتنة) على جعلها خبرا أو اسما واحدا ، فمعنى قراءة النصب : لم يكن شيء إلا قولهم - أي : غير قولهم الكذب - فتنتهم ، أي : لم يكن شيء فتنتهم إلا هذا القول ، فهذا القول وحده فتنتهم ، فنفى عن فتنتهم وسلب عنها كل شيء غير قولهم هذا ، فالفتنة مقصورة على قولهم الكذب ، والكذب قد يكون ثابتا لغيرها ، أي : إنهم يكذبون من غير فتنة ، بل في حال الرخاء ، وهذا بعينه معنى قراءة ابن كثير وابن عامر وحفص برفع فتنة ، أي : لم تكن فتنتهم شيئا غير كذبهم ، فقد نفيت فتنتهم عن كل شيء غير الكذب ، فانحصرت فيه ، ويجوز أن يكون ثابتا في حال غيرها - على ما مر ، وهذا التقدير نفيس عزيز الوجود دقيق المسلك - يأتي - إن شاء الله تعالى - عند وما كان صلاتهم عند البيت في الأنفال ما ينفع هنا فراجعه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية