الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 100 ] 805 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الشهداء من هم ؟

5101 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا عبد الله بن حمران ، قال : حدثنا ابن عون ، عن محمد ، عن أبي العجفاء ، أو عن ابن أبي العجفاء ، قال : قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : وأخرى تقولونها في مغازيكم هذه لمن قتل أو جرح : قتل فلان شهيدا ، وعسى أن يكون قد أوقر دف راحلته ، أو عجز راحلته ، ذهبا أو فضة يبتغي الدنيا ، ولا تقولوا ذلك ، ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : من مات في سبيل الله ، أو قتل ، فهو في الجنة .

[ ص: 101 ]

5102 - حدثنا يزيد ، قال : حدثنا أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا أبو حمزة وسعيد بن عبد الرحمن ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي العجفاء السلمي ، قال : خطب عمر - رضي الله عنه - ثم ذكر مثله .

فكان في هذا الحديث إخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس : أن من قتل أو مات في سبيل الله ، فهو الشهيد الذي يستحق ما يستحقه الشهيد ، لا من سواه ممن يقتل في المغازي ممن مراده غير سبيل الله .

فقال قائل : فقد رويتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن الغريق شهيد ، وأن الحريق شهيد ، في أشياء من هذا الجنس ، فقصد بالشهادة إليهم للذي حل بهم من ذلك ، لا لما سواه .

5103 - وذكر ما قد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن [ ص: 102 ] مالكا أخبره ، عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك ، عن عتيك بن الحارث بن عتيك - وهو جد عبد الله بن عبد الله أبو أمه - أخبره : أن جابر بن عتيك ، أخبره : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء يعود عبد الله بن ثابت ، فوجده قد غلب ، فقالت ابنته : والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيدا ، فإنك قد كنت قضيت جهازك . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله - عز وجل - قد أوقع أجره على قدر نيته ، وما تعدون الشهادة ؟ " قالوا : القتل في سبيل الله . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله - عز وجل - : المطعون شهيد ، والغرق شهيد ، وصاحب ذات الجنب شهيد ، والمبطون شهيد ، والحريق شهيد ، والذي يموت تحت الردم شهيد ، والمرأة تموت بجمع شهيد " .

[ ص: 103 ] فكان في هذا الحديث ما قد دل على أن أهل الشهادة هم المذكورون فيه بالمعاني التي ذكروا بها فيه .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - جل وعز وعونه - : أن هؤلاء المذكورين في هذا الحديث هم الذين معهم من نياتهم ما يستحقون [ ص: 104 ] به الشهادة دون من سواهم من أشكالهم ممن لا نية معه محمودة يستحق بها الشهادة ، ومما يدل على ذلك ما في هذا الخطاب من خطاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابنة عبد الله بن ثابت لما قالت له ما قالت له مما ذكر في هذا الحديث : " إن الله - عز وجل - قد أوقع أجره على قدر نيته " ، فدل ذلك : أن أجره الذي يستحقه ، إنما هو على قدر نيته ، ولما كان ذلك كذلك في عبد الله بن ثابت ، كان فيمن سواه ممن ذكر في هذا الحديث معه كذلك ، وقد ذكر ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم في غير هذا الحديث .

5104 - كما حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثني عبد الرحمن بن شريح ، عن عبد الله بن ثعلبة الحضرمي : أنه سمع ابن حجيرة يخبر ، عن عقبة بن عامر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : خمس من قبض في شيء منهن فهو شهيد : المقتول في سبيل الله شهيد ، والغريق في سبيل الله شهيد ، والمبطون في سبيل الله شهيد ، والمطعون في سبيل الله شهيد ، والنفساء في سبيل الله شهيد .

[ ص: 105 ] فدل ما في هذا الحديث : أن المذكورين في الحديث الذي قد ذكرناه قبله بالشهادة من أهل هذه الأشياء ، هم الذين في سبيل الله ، وسبل الله - عز وجل - طاعاته ، فمن كان في شيء منها ، فأصابه شيء مما في هذه الآثار ، كان من أهل الشهادة الذين وعدهم الله - عز وجل - عليها ما وعدهم ، ومن كان بخلاف ذلك ، لم يكن منهم ، وقد وكد ذلك وكشف معناه ، ما قد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير هذه الأحاديث .

-

5105 - كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي وائل ، عن الأشعري ، قال : قال رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الرجل يقاتل للغنيمة أو للمغنم ، والرجل يقاتل للذكر ، والرجل يقاتل ليرى مكانه ، فمن في سبيل الله - عز وجل - ؟ قال : من قاتل لتكون كلمة الله - عز وجل - هي أعلى ، فهو في سبيل الله - عز وجل .

[ ص: 106 ] فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن المقاتل لا يستحق الشهادة بقتاله حتى يكون معه من نيته أن تكون كلمة الله أعلى ، كما ذكر في هذا الحديث ، وقد شد ذلك أيضا حديثه الآخر ، وهو قوله : " إنما الأعمال بالنية ، وإنما لامرئ ما نوى " .

5106 - كما حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثنا مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن علقمة بن وقاص الليثي ، أنه سمع عمر بن الخطاب على المنبر ، يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : إنما الأعمال بالنية ، وإنما لامرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله ، فهجرته إلى الله وإلى رسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ، أو امرأة يتزوجها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه .

[ ص: 107 ]

5107 - وكما حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا القعنبي ، قال : حدثنا مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن علقمة بن وقاص ، عن عمر ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله .

5108 - وكما حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : أخبرنا أشهب بن عبد العزيز ، عن مالك ، ثم ذكر بإسناده مثله .

5109 - وكما حدثنا يزيد ، قال : حدثنا محمد بن كثير العبدي ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن علقمة بن وقاص ، قال : سمعت عمر رضي الله عنه يقول : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ثم ذكر مثله .

5110 - وكما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا سليمان بن [ ص: 108 ] حرب ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن علقمة بن وقاص ، قال : سمعت عمر رضي الله عنه يقول : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول ، ثم ذكر مثله.

5111 - وكما حدثنا المطلب بن شعيب ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن علقمة بن وقاص ، عن عمر ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ، ثم ذكر مثله.

5112 - وكما حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن علقمة بن وقاص ، قال : سمعت عمر يخطب الناس ، وهو يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثم ذكر مثله . [ ص: 109 ]

5113 - وكما حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن علقمة بن وقاص ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثم ذكر مثله .

فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن الأعمال إنما تكون بالنية ، وأنه إنما يكون لامرئ ما نوى ، ثم أخبر في الهجرة بما أخبر به فيها ، وهي الهجرة إليه ، فأخبر أنه لا يستحق بها ما يطلب بها إلا بالنية لذلك ، لأنها نفسها ، فمثل ذلك ما سواها من هذه الأشياء المذكورة في هذه الآثار ، لا تستحق بالأشياء المذكورة فيها حتى تكون معها النية التي أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنها تستحق بها .

وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يدخل في هذا المعنى أيضا

5114 - ما قد حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثني عبد الرحمن بن شريح ، أن سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، [ ص: 110 ] حدثه ، عن أبيه ، عن جده : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من سأل الله الشهادة بصدق ، بلغه الله منازل الشهداء ، وإن مات على فراشه .

فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن من كانت معه النية في تمنيه الشهادة ، كان بذلك من أهلها ، وإن لم يصبه القتل بها ، ولا ما سواه من الأشياء المذكورة في هذه الآثار ، وفي ذلك دليل على ما ذكرنا مما حملنا عليه الآثار التي ذكرناها في هذا الباب ، والله - عز وجل - نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية