الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله عز وجل ( الذين أحصروا في سبيل الله )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بذلك : الذين جعلهم جهادهم عدوهم يحصرون أنفسهم فيحبسونها عن التصرف فلا يستطيعون تصرفا .

وقد دللنا فيما مضى قبل على أن معنى " الإحصار " تصيير الرجل المحصر بمرضه أو فاقته أو جهاده عدوه وغير ذلك من علله إلى حالة يحبس نفسه فيها عن التصرف في أسبابه ، بما فيه الكفاية فيما مضى قبل .

وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم في ذلك بنحو الذي قلنا فيه .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 592 ]

6215 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " الذين أحصروا في سبيل الله " قال : حصروا أنفسهم في سبيل الله للغزو .

6216 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " قال : كانت الأرض كلها كفرا ، لا يستطيع أحد أن يخرج يبتغي من فضل الله ، إذا خرج خرج في كفر . وقيل : كانت الأرض كلها حربا على أهل هذا البلد ، وكانوا لا يتوجهون جهة إلا لهم فيها عدو ، فقال الله - عز وجل - : " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " الآية ، كانوا ههنا في سبيل الله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : الذين أحصرهم المشركون فمنعوهم التصرف .

ذكر من قال ذلك :

6217 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " حصرهم المشركون في المدينة .

قال أبو جعفر : ولو كان تأويل الآية على ما تأوله السدي ، لكان الكلام : للفقراء الذين حصروا في سبيل الله ، ولكنه " أحصروا " فدل ذلك على أن خوفهم من العدو الذي صير هؤلاء الفقراء إلى الحال التي حبسوا - وهم في سبيل الله - أنفسهم ، لا أن العدو هم كانوا الحابسيهم .

وإنما يقال لمن حبسه العدو : " حصره العدو " وإذا كان الرجل المحبس من خوف العدو ، قيل : " أحصره خوف العدو " .

التالي السابق


الخدمات العلمية