الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رحمه الله تعالى : " ومن مرض له ولد أو والد فرآه منزولا به أو خاف فوت نفسه فلا بأس أن يدع الجمعة ، وكذلك إن لم يكن له ذو قرابة وكان ضائعا لا قيم له غيره أو له قيم غيره له شغل عنه في وقت الجمعة فلا بأس أن يدع له الجمعة ، تركها ابن عمر لمنزول به " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال .

                                                                                                                                            : حضور الجمعة يسقط بالعذر : لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر .

                                                                                                                                            والعذر ضربان : عام ، وخاص .

                                                                                                                                            فأما العام : فكالأمطار ، وخوف الفتن ، وحذر السلطان . وأما الخاص : فكالخوف من ظلم ذي يد قوية من سلطان أو غيره ، أو يخاف تلف مال هو مقيم على حفظه ، أو يخاف موت منزول به ، من ذي نسب أو سبب أو مودة ، وسواء كان له قيم أم لا ، قد روي عن [ ص: 425 ] عبد الله بن عمر أنه كان يستحم للجمعة فاستخرج على سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، فترك الجمعة وذهب إلى سعيد .

                                                                                                                                            فأما إن لم يكن منزولا به ، وكان مريضا ، فإن لم يكن المرض شديدا مخوفا لم يكن ذلك عذرا في التأخير ، وإن كان مرضا شديدا فإن كان والدا أو ولدا كان ذلك عذرا في التأخير عن الجمعة ، سواء كان له قيم أم لا : لاختصاص الولد بفضل البر ، والوالد بفضل الحنو .

                                                                                                                                            وإن كان ممن عدا الوالد والولد فإن لم يكن له قيم بأمره كان ذلك عذرا له في ترك الجمعة ، وإن كان له قيم سواه لم يكن ذلك عذرا ، ووجب عليه الحضور .

                                                                                                                                            فأما إن كان عليه حق ثابت فهو على ضربين : أحدهما : أن يكون في الذمة كالأموال : فإن كان قادرا على أدائه لم يكن معذورا ، وكان بالتأخير عاصيا ، وإن كان معسرا به وخاف من يد صاحب الحق ومقاله كان ذلك عذرا في التأخير عنها .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون الحق على يده فهو على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون مما لا يجوز العفو عنه ، ولا الصلح عليه ، كحد الزنا ، وقطع السرقة ، فليس ذلك عذرا في التأخير ، وعليه الحضور . والثاني : أن يكون مما يجوز العفو عنه ، والصلح عليه ، والمفاداة بالمال ، فهذا عذر في التأخير ، ليقع الصلح على مال .

                                                                                                                                            وجملة ذلك : أن كل ما كان عذرا في التأخير عن الجماعة كان عذرا في التأخير عن الجمعة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية