الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        474 449 - وأما حديثه بعد هذا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف يأتيك الوحي ؟ فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " أحيانا يأتيني في مثل صلصلة الجرس ، وهو أشده علي ، فيفصم عني ، وقد وعيت ما قال . [ ص: 60 ] وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا ، فيكلمني فأعي ما يقول " قالت عائشة : ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد ، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        10484 - في هذا الحديث ما يبين به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأله أصحابه عن معاني دينهم وغير دينهم ، وأنه كان يجيبهم يصبر لهم ويعلمهم ، وكانت طائفة منهم تسأل وطائفة تحفظ ، وكلهم أدى وبلغ ما علم ولم يكتم ، حتى أكمل الله دينه والحمد لله .

                                                                                                                        10485 - وكتاب الله أصح شاهد في ذلك يقول الله عز وجل : " يسألونك عن الخمر والميسر " 219 من سورة البقرة " ويسألونك عن اليتامى " 220 من سورة البقرة و " يسألونك ماذا ينفقون " 215 من سورة البقرة وهو كثير في القرآن .

                                                                                                                        10486 - وفي هذا الحديث نوعان أو ثلاثة من أنواع نزول الوحي .

                                                                                                                        [ ص: 61 ] 10487 - وقد ورد في غير ما حديث من نزول الوحي أنواع حتى الرؤيا الصالحة جعلها صلى الله عليه وسلم جزءا من أجزاء النبوة ، ولكنه أراد بهذا الحديث نزول ما يتلى والله أعلم .

                                                                                                                        10488 - وقد روى حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان الوحي إذا نزل سمعت الملائكة صوتا كإمرار [ ص: 62 ] السلسلة على الصفا .

                                                                                                                        10489 - وفي حديث يوم حنين أنهم سمعوا صلصلة بين السماء والأرض كإمرار الحديد على الطست .

                                                                                                                        10490 - وقالت عائشة : كان أول ما بدئ به رسول الله من الوحي [ ص: 63 ] الرؤيا الصادقة ، كان يرى الرؤيا فتأتي كأنها فلق الصبح .

                                                                                                                        10491 - وقد كان يبدى له جبريل بين السماء والأرض ، وذلك بين في حديث جابر بن عبد الله .

                                                                                                                        10492 - وأحيانا يأتيه جبريل في هيئة إنسان ، فيكلمه مشافهة كما يكلم المرء [ ص: 64 ] أخاه ، وذلك بين في حديث عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عمر في الإيمان [ ص: 65 ] والإسلام ، وحديثه حين جاءه جبريل في صفة دحية الكلبي .

                                                                                                                        10493 - وفي حديث عمر بن الخطاب ، ويعلى بن أمية ، إذا نزل عليه الوحي يحمر وجهه ويغط غطيط البكر وينفخ .

                                                                                                                        [ ص: 66 ] 10494 - إلى ضروب كثيرة لست أحصيها ، وقد ذكرنا في ذلك آثارا كثيرة متفرقة في ( التمهيد ) .

                                                                                                                        10495 - وروى ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب ، أنه سئل عن هذه الآية : " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم " الآية 51 من سورة الشورى " .

                                                                                                                        10496 - قال : ترى هذه الآية تعم من أوحى الله إليه من البشر كلهم .

                                                                                                                        10497 - والكلام كلام الله الذي كلم به موسى ( عليه السلام ) من وراء حجاب .

                                                                                                                        10498 - والوحي ما يوحي الله إلى النبي من أنبيائه ، فيثبت الله ما أراد من الوحي في قلب النبي ، فيتكلم به النبي فيكتبه ، فهو كلام الله ووحيه .

                                                                                                                        10499 - ومنه ما يكون بين الله ورسله ، لا يكلم به أحد من الأنبياء أحدا من الناس ، ولكنه يكون سر غيب بين الله وبين رسله .

                                                                                                                        10500 - ومنه ما يتكلم به الأنبياء ولا يكتمونه أحدا ولا يؤمرون بكتمانه ، ولكنهم يحدثون به الناس حديثا ، ويبينون لهم أن الله عز وجل أمرهم أن يبينوه للناس ويبلغوهم إياه .

                                                                                                                        10501 - ومن الوحي ما يرسل الله من يشاء من ملائكته ، فيوحيه وحيا في قلوب من يشاء من أنبيائه ورسله .

                                                                                                                        [ ص: 67 ] 10502 - وقد بين في كتابه أنه كان يرسل جبريل إلى محمد ( عليهما السلام ) فقال في كتابه : " قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك " الآية 97 من سورة البقرة .

                                                                                                                        10503 - وقال عز وجل : " وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين " الآيات 192 - 195 من سورة الشعراء .

                                                                                                                        10504 - وروي عن مجاهد في قوله عز وجل : " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا " قال : أن ينفث في نفسه أو من وراء حجاب ، قال : موسى حين كلمه الله أو يرسل رسولا قال : جبريل إلى محمد وأشباهه من الرسل ( صلوات الله عليهم أجمعين ) الآية 51 من سورة الشورى .

                                                                                                                        10505 - أما قوله في هذا الحديث : " صلصلة الجرس " ، فإنه أراد في مثل صوت الجرس .

                                                                                                                        والصلصلة : الصوت ، يقال : صلصلة الطست ، وصلصلة الجرس ، وصلصلة الفخار .

                                                                                                                        10506 - وأما قوله : " فيفصم عني ، فمعناه : ينفرج عني ويذهب عني .

                                                                                                                        10507 - ويقال : فصم بمعنى ذهب .

                                                                                                                        10508 - وقيل : فصم كما يفصم الخلخال إذا فتحته لتخرجه من الرجل .

                                                                                                                        10509 - وكل عقدة حللتها فقد فصمتها .

                                                                                                                        10510 - قال الله عز وجل : " فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها " [ ص: 68 ] الآية 256 من سورة البقرة ، وانفصام العروة أن تنفك عن موضعها .

                                                                                                                        10511 - وأصل الفصم عند العرب أن تفك الخلخال ولا تبين كسره فإذا كسرته فقد قصمته ( بالقاف ) .

                                                                                                                        10512 - قال ذو الرمة :


                                                                                                                        كأنه دملج من فضة نبه في ملعب من جواري الحي مفصوم






                                                                                                                        الخدمات العلمية