الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون [ ص: 119 ]

                                                                                                                                                                                                                                      ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا بوصفهم النبي الموعود في الكتابين بخلاف أوصافه صلى الله عليه وسلم ، فإنه افتراء على الله سبحانه ، وبقولهم : الملائكة بنات الله ، وقولهم : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، ونحو ذلك ، وهو إنكار واستبعاد ، لأن يكون أحد أظلم ممن فعل ذلك ، أو مساويا له ، وإن كان سبك التركيب غير متعرض لإنكار المساواة ، ونفيها يشهد به العرف الفاشي والاستعمال المطرد ، فإنه إذا قيل : من أكرم من فلان ؟ أو لا أفضل من فلان ; فالمراد حتما : أنه أكرم من كل كريم ، وأفضل من كل فاضل ، ألا يرى إلى قوله عز وجل : لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون بعد قوله تعالى : ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ... إلخ .

                                                                                                                                                                                                                                      والسر في ذلك أن النسبة بين الشيئين إنما تتصور غالبا ، لا سيما في باب المغالبة بالتفاوت ، زيادة ونقصانا ، فإذا لم يكن أحدهما أزيد يتحقق النقصان لا محالة .

                                                                                                                                                                                                                                      أو كذب بآياته كأن كذبوا بالقرآن الذي من جملته الآية الناطقة بأنهم يعرفونه صلى الله عليه وسلم ، كما يعرفون أبناءهم ، وبالمعجزات وسموها سحرا ، وحرفوا التوراة وغيروا نعوته صلى الله عليه وسلم ، فإن ذلك تكذيب بآياته تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      وكلمة " أو " للإيذان بأن كلا من الافتراء والتكذيب وحده بالغ غاية الإفراط في الظلم ، فكيف وهم قد جمعوا بينهما ، فأثبتوا ما نفاه الله تعالى ، ونفوا ما أثبته ، قاتلهم الله أنى يؤفكون .

                                                                                                                                                                                                                                      إنه الضمير للشأن ، ومدار وضعه موضعه ادعاء شهرته المغنية عن ذكره ، وفائدة تصدير الجملة به الإيذان بفخامة مضمونها مع ما فيه من زيادة تقريره في الذهن ، فإن الضمير لا يفهم منه من أول الأمر إلا شأن مبهم له خطر ، فيبقى الذهن مترقبا لما يعقبه ، فيتمكن عند وروده له فضل تمكن ، فكأنه قيل : إن الشأن الخطير هذا هو .

                                                                                                                                                                                                                                      لا يفلح الظالمون ; أي : لا ينجون من مكروه ، ولا يفوزون بمطلوب ، وإذا كان حال الظالمين هذا ، فما ظنك بمن في الغاية القاصية من الظلم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية