الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1267 [ ص: 100 ] (باب في قيام رمضان والترغيب فيه)

                                                                                                                              وأورده النووي : في الباب المتقدم .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 40 ج 6 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه" فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر. وصدرا من خلافة عمر على ذلك] .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، (قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان، من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة) .

                                                                                                                              أي: لا يأمرهم أمر إيجاب وتحتيم، بل أمر ندب وترغيب.

                                                                                                                              ثم فسره بقوله: (فيقول: " من قام رمضان ") . وهذه الصيغة تقتضي الترغيب، والندب، دون الإيجاب.

                                                                                                                              واجتمعت الأمة على أن قيام رمضان ليس بواجب، بل هو مندوب.

                                                                                                                              [ ص: 101 ] إيمانا، واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه " أي تصديقا: بأنه حق، مقتصد فضيلته.

                                                                                                                              ومعنى: احتسابا: أن يريد الله وحده، لا يقصد رؤية الناس، ولا غير ذلك، مما يخالف الإخلاص.

                                                                                                                              والمراد بهذا القيام: صلاة التراويح كما تقدم.

                                                                                                                              (فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

                                                                                                                              (وصدرا من خلافة عمر على ذلك) .

                                                                                                                              أي: استمر الأمر هذه المدة، على أن كل واحد يقوم رمضان في بيته منفردا، حتى انقضى صدر من خلافة عمر رضي الله عنه.

                                                                                                                              ثم جمعهم عمر على أبي بن كعب، فصلى بهم جماعة، واستمر العمل على فعلها جماعة. وقد جاءت هذه الزيادة في صحيح البخاري، في: "كتاب الصيام ".

                                                                                                                              هذا كلام النووي (رحمه الله) .

                                                                                                                              وأقول: قال شيخنا وبركتنا الشوكاني (رحمه الله) ، في (السيل الجرار) : صلاة التراويح قد ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في ليالي رمضان، وائتم به جماعة، وعلم بهم، فترك مخافة أن تفرض عليهم؛

                                                                                                                              وهذا ثابت في أحاديث صحيحة في الصحيحين، وغيرهما.

                                                                                                                              [ ص: 102 ] ولهذا تقرر أن صلاة النوافل "في ليالي رمضان" جماعة سنة، لا بدعة.

                                                                                                                              لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك إلا لذلك العذر.

                                                                                                                              وثبت أيضا عند أحمد، وأهل السنن، وصححه الترمذي، ورجاله رجال الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه: (قال: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يصل بنا حتى بقي سبع من الشهر. فقام بنا حتى ذهب الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة، وقام بنا في الخامسة، حتى ذهب شطر الليل، فقلنا: يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه؟ فقال: "إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف هو، كتب له قيام ليلة".

                                                                                                                              ثم لم يصل بنا حتى بقي ثلاث من الشهر، وصلى بنا في الثالثة، ودعا أهله ونساءه، فقام بنا حتى تخوفنا الفلاح، قلت له: وما الفلاح؟ قال: السحور)
                                                                                                                              .

                                                                                                                              ففي هذا الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم في النافلة، في ليالي رمضان جماعة. فكيف تكون الجماعة بدعة ؟!.

                                                                                                                              ولم يقع من عمر إلا أنه لما خرج إلى المسجد، فوجد أوزاعا متفرقين، [ ص: 103 ] يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال: إني أرى، لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أولى.

                                                                                                                              ثم عزم، فجمعهم على أبي بن كعب. فقد كانت الجماعة في المسجد موجودة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وقبل أن يجمعهم عمر رضي الله عنه، وبهذا تعرف؛ أن التجميع في النوافل في ليالي رمضان سنة، لا بدعة.

                                                                                                                              وأما ما استحسنه جماعة من أهل العلم، من جعل هذه الصلاة عشرين ركعة، وجعل القراءة في كل ركعة شيئا معينا؛

                                                                                                                              فهذا لم يكن ثابتا بخصوصه، لكنه من جملة ما يصدق عليه أنه صلاة، وأنه جماعة، وأنه في رمضان. انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية