الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير بعد التذكير بهذه الآية التي تنوعت فيها الآيات [ ص: 108 ] وتكررت وتكثرت فيها الدلالات ؛ فالذين آمنوا أحياء سامعون لأقوالنا ، ناطقون بمحامدنا راؤون لأفعالنا - عطف عليه قوله : والذين كذبوا أي : أوقعوا التكذيب بآياتنا أي : على ما لها من العظمة المقتضية لإضافتها إلينا ، مرئية كانت أو مسموعة ، تكذيبا متكررا على عدد الآيات بالفعل أو بالقوة ولو بالإعراض عنها صم أي : أموات فهم لا يسمعون وبكم لا ينطقون في الظلمات أي : عمي لا يبصرون ، فلذلك لا يزالون خابطين خبط العشواء ساعين غاية السعي إلى الردى ؛ لأن ذلك شأن من في الظلمة ، فكيف بمن هو في جميع الظلمات! ولعله جمعها إشارة إلى أن المكذب لا ينتفع ببصر ولا ببصيرة ، وذلك أنهم لما لم ينتفعوا بحياتهم ولا بأسماعهم ولا نطقهم ولا أبصارهم ولا عقولهم كان كل ذلك منهم عدما .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما بين أن الأصم الأبكم الأعمى لا تمكن هدايته بين أن ذلك إنما هو بالنسبة لغيره - سبحانه - فطما عن طلب إجابتهم إلى ما يقترحون من الآيات ، وأما هو سبحانه ففعال لما يريد ، فقال في جواب من كأنه قال : إنما تمكن هدايتهم : من يشأ الله - أي : الذي له الأمر كله ولا أمر لأحد معه - إضلاله يضلله ومن يشأ هدايته [ ص: 109 ] يجعله وأشار إلى تمكينه بأداة الاستعلاء ، فقال : على صراط مستقيم بأن يخلق الهداية في قلبه - ومن يهد الله فما له من مضل ومن يضلل الله فما له من هاد ، مع أن الكل عباده وخلقه ، متقلبون في نعمه ، غادون رائحون في بره وكرمه - إن في ذلك على وحدانيته وتمام قدرته لآيات بينات لقوم يعقلون .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية