الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة في أن لفظ الشارع إذا دار بين مدلولين

                                                      إن حمل على أحدهما أفاد معنى واحدا ، وإن حمل على الآخر أفاد معنيين ، وليس هو أظهر بالنسبة إلى أحدهما ، فهل هو مجمل بالنسبة إلى كل واحد منهما أم هو ظاهر بالنسبة إلى إفادة المعنيين ؟ قال الهندي : ذهب الأكثرون إلى الثاني ، وذهب الأقلون منهم الغزالي إلى أنه مجمل بالنسبة إلى كل واحد منهما .

                                                      قلت : واختاره ابن الحاجب ، والأول اختيار الآمدي تكثيرا للفائدة ، ولما فيه من رفع الإجمال الذي هو خلاف الأصل ، فمن لم .

                                                      [ ص: 82 ] يجعله مجملا يجعله حقيقة في المعنيين مجازا في الواحد . واللفظ الدائر بين الحقيقة والمجاز ليس بمجمل بالنسبة إلى كل منهما ، بل هو ظاهر بالنسبة إلى الحقيقة ، ومن جعله مجملا لا يجعله حقيقة في أحدهما عينا ، بل يحتمل غيره احتمالا سواء ، أو يكون حقيقة في المعنى الواحد ، مجازا في المعنيين وبالعكس ، وأن يكون حقيقة فيهما ، ولا يرجع لسبب إفادة المعنيين ، ثم قال الآمدي والهندي : محل الخلاف إنما هو فيما إذا لم يكن حقيقة في المعنيين ، فإنه يكون مجملا ; أو حقيقة في أحدهما ، فالحقيقة مرجحة قطعا . وظاهره جعل الخلاف فيما إذا كانا مجازين ، لأنه إذا لم يكن حقيقتين ولا أحدهما حقيقة والآخر مجازا فما بقي إلا أن يكونا مجازين ، وحينئذ فقد يستشكل جريان الخلاف فيه ، لأن نسبة المجازين إلى اللفظ نسبة الحقيقتين ، والحق أن صورة المسألة أعم من ذلك ، وهو اللفظ المحتمل لمتساويين ، سواء كانا حقيقتين أو مجازين ، أو أحدهما حقيقة مرجوحة ، والآخر مجازا راجحا عند القائل بتساويهما ، ويكون ذلك باعتبار الظهور والخفاء وينزل كلام الآمدي على ما سنذكره .

                                                      واعلم أن ترجمة المسألة هكذا تحتمل معنيين : أحدهما : أن المعنى الواحد ليس واحدا من المعنيين ، والظاهر في هذا ترجيح الإجمال ، وقولهم : الحمل على المعنيين أكثر فائدة ممنوع ، لأن هذا صحيح فيما إذا كان المعنى الواحد أحد المعنيين ، وعلى هذه الحالة ينزل قول الآمدي والهندي أنه لم يقل بالحمل على المعنى الواحد أحد ، والإعراض عن الآخر ذي المعنيين المغايرين للمعنى الواحد ، بل الظاهر الإجمال ، ويحتمل أن يرجح المجمل ذو المعنيين ، لكونه أكثر فائدة . [ ص: 83 ] وقد يمثل لهذه الحالة بقوله : { المحرم لا ينكح ولا ينكح } إذا قلنا : النكاح مشترك ، فإنه دائر بينهما من غير ترجيح فإن حمل على الوطء استفيد منه معنى واحد ، وهو أن المحرم لا يطأ ولا يوطأ ، وإن حمل على العقد استفيد منه شيئان بينهما قدر مشترك : وهو أن المحرم لا يعقد لنفسه ، ولا لغيره .

                                                      والثاني : أن يكون واحدا منهما فيعمل به قطعا ، لأنه مراد على كل حال ، ويبقى النظر في المعنى الآخر . وقد يمثل لهذه الحالة بقوله : { الأيم أحق بنفسها } فإنه يحتمل أنها أحق بنفسها فتعقد على نفسها ، كما يقول به الخصوم ، أو أنها أحق بنفسها ، فتمكن من أمرين : أحدهما : أن تأذن لمن يعقد عليها .

                                                      والثاني : أن تعقد بنفسها ، ونقل ذلك عن نص الشافعي إذا كانت في موضع لا ولي فيه ، ولا حاكم ، وكذا قوله : { فيما سقت السماء العشر ، وفيما سقي بالنضح نصفه } يحتمل أنه أراد مقدار الواجب ، أو مقدار ما يجب فيه ، أو مقدار الواجب خاصة . .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية