الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها الآية ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن الكفار يعرفون نعمة الله ; لأنهم يعلمون أنه هو الذي يرزقهم ويعافيهم ، ويدبر شؤونهم ، ثم ينكرون هذه النعمة ; فيعبدون معه غيره ، ويسوونه بما لا ينفع ولا يضر ، ولا يغني شيئا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد أوضح - جل وعلا - هذا المعنى في آيات كثيرة ; كقوله : قل من يرزقكم من [ ص: 421 ] السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون [ 10 \ 31 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      فقوله : فسيقولون الله [ 10 \ 31 ] ، دليل على معرفتهم نعمته . وقوله : فقل أفلا تتقون [ 10 \ 31 ] ، دليل على إنكارهم لها . والآيات بمثل هذا كثيرة جدا .

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن مجاهد : أن سبب نزول هذه الآية الكريمة : أن أعرابيا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله ، فقرأ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والله جعل لكم من بيوتكم سكنا [ 16 \ 80 ] ، فقال الأعرابي : نعم ! قال : وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا الآية [ 16 \ 80 ] ، قال الأعرابي : نعم ! ثم قرأ عليه ، كل ذلك يقول الأعرابي : نعم ! حتى بلغ : كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون [ 16 \ 81 ] ، فولى الأعرابي ; فأنزل الله : يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها [ 16 \ 83 ] ، وعن السدي - رحمه الله - : يعرفون نعمة الله ، أي : نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ثم ينكرونها ، أي : يكذبونه وينكرون صدقه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد بين - جل وعلا - : أن بعثة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فيهم من منن الله عليهم . كما قال تعالى : لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم الآية [ 3 \ 164 ] ، وبين في موضع آخر : أنهم قابلوا هذه النعمة بالكفران ، وذلك في قوله : ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار [ 14 \ 28 ] ، وقيل : يعرفون نعمة الله في الشدة ، ثم ينكرونها في الرخاء . وقد تقدمت الآيات الدالة على ذلك ، كقوله : فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون [ 29 \ 65 ] ، ونحوها من الآيات إلى غير ذلك من الأقوال في الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : وأكثرهم الكافرون [ 16 \ 83 ] ، قال بعض العلماء : معناه أنهم كلهم كافرون . أطلق الأكثر وأراد الكل . قاله القرطبي والشوكاني . وقال الشوكاني : أو أراد بالأكثر العقلاء دون الأطفال ونحوهم . أو أراد كفر الجحود ، ولم يكن كفر كلهم كذلك ، بل كان كفر بعضهم كفر جهل .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية