الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ثم لا يؤذن للذين كفروا ; لم يبين تعالى في هذه الآية الكريمة متعلق الإذن في قوله : لا يؤذن [ 16 \ 84 ] ، ولكنه بين في ( المرسلات ) أن متعلق الإذن الاعتذار ، أي : لا يؤذن لهم في الاعتذار ، لأنهم ليس لهم عذر يصح قبوله ، وذلك في قوله : هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون [ 77 \ 35 - 36 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 422 ] فإن قيل : ما وجه الجمع بين نفي اعتذارهم المذكور هنا ، وبين ما جاء في القرآن من اعتذارهم ؟ ; كقوله تعالى عنهم : والله ربنا ما كنا مشركين [ 6 \ 23 ] ، وقوله : ما كنا نعمل من سوء [ 16 \ 28 ] ، وقوله : بل لم نكن ندعو من قبل شيئا [ 40 \ 74 ] ، ونحو ذلك من الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      فالجواب من أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                      منها : أنهم يعتذرون حتى إذا قيل لهم : " اخسئوا فيها ولا تكلمون " [ 23 \ 108 ] ، انقطع نطقهم ولم يبق إلا الزفير والشهيق ; كما قال تعالى : ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون [ 27 \ 85 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      ومنها : أن نفي اعتذارهم يراد به اعتذار فيه فائدة . أما الاعتذار الذي لا فائدة فيه فهو كالعدم ، يصدق عليه في لغة العرب : أنه ليس بشيء ، ولذا صرح تعالى بأن المنافقين بكم في قوله : صم بكم [ 2 \ 171 ] ، مع قوله عنهم :

                                                                                                                                                                                                                                      وإن يقولوا تسمع لقولهم [ 63 \ 4 ] ، أي : لفصاحتهم وحلاوة ألسنتهم . وقال عنهم أيضا : فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد [ 33 \ 19 ] ، فهذا الذي ذكره - جل وعلا - من فصاحتهم وحدة ألسنتهم ، مع تصريحه بأنهم بكم يدل على أن الكلام الذي لا فائدة فيه كلا شيء ، كما هو واضح . وقال هبيرة بن أبي وهب المخزومي :

                                                                                                                                                                                                                                      وإن كلام المرء في غير كنهه لكالنبل تهوي ليس فيها نصالها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد بينا هذا في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ) في مواضع منه . والترتيب بـ " ثم " [ 16 \ 84 ] في قوله في هذه الآية الكريمة : ثم لا يؤذن للذين كفروا [ 16 \ 84 ] ، على قوله : ويوم نبعث من كل أمة شهيدا [ 16 \ 84 ] ، لأجل الدلالة على أن ابتلاءهم بالمنع من الاعتذار المشعر بالإقناط الكلي أشد من ابتلائهم بشهادة الأنبياء عليهم بكفرهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية