الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 205 ] 824 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خير الناس : أنه من طال عمره ، وحسن عمله

5208 - حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه ، قال : سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - : أي الناس أفضل ؟ أو قال : خير ؟ قال : من طال عمره ، وحسن عمله . قيل : فأي الناس شر ؟ قال : " من طال عمره ، وساء عمله . [ ص: 206 ]

5209 - حدثنا علي ، قال : حدثنا الأسود بن عامر ، قال : حدثنا زهير بن معاوية عن علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه

5210 - وحدثنا علي ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا حماد عن يونس عن الحسن عن أبي بكرة



5211 - وحدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد عن يونس ، عن الحسن ، عن أبي بكرة ، عن النبي [ ص: 207 ] - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآثار كلها مثله .

قال أبو جعفر : فتأملنا هذا الحديث ، فوجدنا من كانت صفته الصفة المذكورة فيه أنه لا يكون بذلك خيرا من الأنبياء ، ولا خيرا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين فضلهم الله على من سواهم منهم بقوله : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا .

فعقلنا بذلك أن ما في هذا الحديث مما عم به الناس بظاهره ، لم يرد به ما يدل عليه ظاهره ، وإنما أريد به : من خير الناس ؟ فعم بذلك ما المراد بعضه ، والعرب تفعل هذا كثيرا ، وقد جاء كتاب الله - عز وجل - بمثل لك ، قال الله - عز وجل - في قصة صاحبة سليمان : وأوتيت من كل شيء ولم تؤت مما أوتي سليمان - صلى الله عليه وسلم - شيئا ، وقوله - عز وجل - في الريح : تدمر كل شيء بأمر ربها .

وإنما كان ذلك على خاص من الأشياء ، لا على كل الأشياء ، فمثل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث ما قاله هو على بعض من ذكره لا على كلهم ، فيكون قوله : خير الناس ، أو أفضل الناس ، بمعنى : من خير الناس ، أو من أفضل الناس .

[ ص: 208 ] وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب أيضا

5212 - ما قد حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا الأسود بن عامر ، قال : حدثنا شريك عن سماك ، عن عبد الله بن عميرة ، عن درة ، قالت : كنت عند عائشة ، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " ائتوني بوضوء " . فابتدرت أنا الكوز ، فتوضأ ، ثم رفع طرفه أو عينه إلي ، فقال : " أنت مني ، وأنا منك " . فأتى رجل ، فقال : ما أنا فعلته ، ولكن قيل لي . قالت : وكان سأله على المنبر : من خير الناس ؟ فقال : أفقههم في دين الله - عز وجل .

قال أبو جعفر : ومعنى هذا عندنا - والله أعلم - كمعنى الحديث الأول الذي ذكرناه .

قال أبو جعفر : وفي هذا الحديث أنه كان لدرة ابنة أبي لهب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الموضع المذكور لها فيه ، وهو أجل موضع ، وقد روي [ ص: 209 ] عنه - صلى الله عليه وسلم - مما كان منه في أمرها لما آذاها من آذاها من نسوة الأنصار بأبيها لما قدمت المدينة مهاجرة .

5213 - ما قد حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن بشير ، عن ابن إسحاق ، قال : حدثني نافع مولى ابن عمر وزيد بن أسلم ، عن ابن عمر ، قال : لما قدمت درة ابنة أبي لهب المدينة مهاجرة ، نزلت دار رافع بن المعلى الزرقي ، فقال لها نسوة جلسن إليها من بني زريق : أنت ابنة أبي لهب الذي يقول الله - عز وجل - : تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب فما يغني عنك مهاجرك ! فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجثت إليه وذكرت ما قلن لها ، فسكتها ، وقال : " اجلسي" ثم صلى بالناس الظهر ، ثم جلس على المنبر ساعة ، ثم قال : أيها الناس ، مالي أوذى في أهلي ، فوالله إن شفاعتي لتنال بقرابتي ، حتى أن حكما وحا وصداء وسلهب لتنالها يوم القيامة بقرابتي . وسلهب في نسب اليمن من دوس .

[ ص: 210 ] قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر درة ابنة أبي لهب إلى نفسها لا إلى أبيها ; لأن الله - عز وجل - قد منع أن تزر وازرة وزر أخرى ; ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال لأبي أبي رمثة في ابنه أبي رمثة : " إنه لا يجني عليك ، ولا تجني عليه " ، فكان الذي كان من أبي لهب لا يتعداه إلى ولد ، ولا إلى غيره ، وكان الذي كسبته ابنته درة ، وعملته من الخير ، لا يتعداها إلى من سواها من أب ولا من غيره والله - عز وجل - نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية