الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب ذكر نوح عليه السلام

وهو نوح بن لمك بن متوشلخ بن إدريس .

وقال الزبير بن بكار : نوح بن ملكان بن مثوب بن إدريس ، وكان بين آدم ونوح ألف سنة ، وولد نوح عليه السلام بعد وفاة آدم بثمانمائة وست وعشرين سنة ، فلما بلغ قال له أبوه: قد علمت أنه لم يبق في هذا الموضع غيرنا فلا تستوحش ولا تتبع الأمة الخاطئة ، فما زال على حاله حتى بعثه الله تعالى بعد أن تكامل له خمسون سنة ، وقيل: ثلاثمائة وخمسون ، وقيل: كان ابن أربعمائة وثمانين سنة ، فبعث وليس في الزمان من يأمر بالمعروف ، وكانوا يعبدون الأوثان ، فدعاهم وكانوا يضربونه حتى يغشى عليه .

أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار ، أخبرنا الجوهري ، أخبرنا أبو عمر بن حيويه ، أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحارث بن أبي أسامة ، حدثنا محمد بن سعد ، أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال: كان للمك يوم ولد نوحا اثنتان وثمانون سنة ولم يكن أحد في ذلك الزمان ينهى عن منكر ، فبعث الله نوحا إليهم وهو ابن أربعمائة وثمانين سنة ، ودعاهم مائة وعشرون سنة ، وركب السفينة وهو ابن ستمائة سنة ، ثم مكث بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين سنة .

أخبرنا أبو المعمر الأنصاري ، أخبرنا يحيى بن عبد الوهاب بن منده ، أخبرنا أبو طاهر بن عبد الرحيم ، أخبرنا أبو محمد بن حبان ، حدثنا محمد بن أحمد بن معدان ، حدثنا أبو عمير ، حدثنا أبو ضمرة ، عن سعيد بن حسن ، قال: كان قوم نوح [ ص: 240 ] يزرعون في الشهر مرتين ، وكانت المرأة تلد أول النهار فيتبعها ولدها في آخره .

قال علماء السير: فرض الله على نوح الصلاة والحلال والحرام ، وأمره الله -عز وجل- بصنعه السفينة ، فغرس شجرة فعظمت ثم قطعها ، وجعل يعمل سفينة فيمرون عليه فيسخرون منه .

قال سلمان الفارسي : أنبت الساج أربعين سنة ، وعملها في أربعمائة سنة .

قال قتادة : ذكر لنا أن طولها ثلاثمائة ذراع ، وعرضها خمسون ، وارتفاعها في السماء ثلاثون .

وقيل: طولها ألف ذراع ، وكانت ثلاث طبقات ، فطبقة فيها الدواب والوحش ، وطبقة فيها الإنس ، وطبقة فيها الطير ، فلما كثرت أرواث الدواب أوحى الله تعالى إلى نوح أن اغمز ذنب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة ، فأقبلا على الروث ، فلما وقع الفأر بخرز السفينة يقرضه أوحى الله إلى نوح أن اضرب بين عيني الأسد فخرج من منخره سنور وسنورة ، فأقبلا على الفأر .

وروى يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، قال: أول ما حمل في الفلك من الدواب الذرة ، وآخر ما حمل الحمار .

قال ابن عباس : كانوا ثمانين رجلا منهم سام ، وحام ، ويافث . وكنائنه ، نساء بنيه هؤلاء ، وثلاثة وسبعون من ولد شيث .

وقال قتادة : كانوا ثمانية: نوح وامرأته ، وبنوه الثلاثة ونساؤهم .

وقال الأعمش : كانوا سبعة ، ولم يذكر امرأة نوح . [ ص: 241 ]

وقال ابن إسحاق : كانوا عشرة .

قال ابن جريج : حدثت أن حاما أصاب امرأته في السفينة فدعا عليه نوح فتغير نطفته فجاء بالسودان .

وقال الحسن : كان التنور الذي فار منه الماء حجارة .

واختلفوا أين فار التنور ؟

فروى عكرمة عن ابن عباس أنه فار بالهند . وقال الشعبي ومجاهد بالكوفة .

أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك ، حدثنا أبو الحسين بن علي الطناجيري ، أخبرنا عمرو بن أحمد بن شاهين ، حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، عن أبيه ، عن أنس ، قال: لما ركب نوح السفينة جاء إبليس فتعلق بالسفينة وقال: من أنت؟ قال: إبليس ، قال: ما جاء بك؟ قال: جئت لتسأل لي ربك ، هل لي من توبة؟ قال: فأوحى الله إليه أن توبته أن يأتي قبر آدم فيسجد له ، فقال: أنا لم أسجد له حيا وأسجد له ميتا ، فذلك قوله تعالى: أبى واستكبر وكان من الكافرين .

قال علماء السير: فلما استقر نوح بمن معه فتحت أبواب السماء بماء منهمر ، فغطى السفينة وكان بين أن أرسل الله الماء ، وبين أن احتمل السفينة أربعون يوما ، ثم ارتفع الماء فوق الجبال فهلك كل ما على وجه الأرض من ذي روح وشجر ، فلم يبق سوى نوح ومن معه . [ ص: 242 ]

ويزعم أهل الكتاب أنه بقي عوج بن عناق أيضا .

روى أبو صالح ، عن ابن عباس ، قال: أرسل الله المطر أربعين يوما وأربعين ليلة ، فأقبلت الوحش والدواب كلها إلى نوح ، وسخرت له ، فحمل له منها من كل زوجين اثنين ، وحمل جسد آدم ، فجعله حاجزا بين النساء والرجال ، فركبوا [فيها] لعشر ليال مضين من رجب ، وخرجوا منها يوم عاشوراء ، فسارت بهم السفينة وطافت بهم الأرض كلها في ستة أشهر لا تستقر ، حتى أتت الحرم فلم تدخله ، ودارت بالحرم أسبوعا ، ورفع البيت الذي بناه آدم ، رفع من الغرق - وهو البيت المعمور والحجر الأسود – على أبي قبيس ، ثم انتهت بهم إلى الجودي ، وهو جبل في أرض الموصل ، فاستقرت عليه ، وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي . فصار ما نزل من السماء هذه البحور التي ترون في الأرض ، فآخر ما بقي من الطوفان في الأرض [ماء] بحسمى بقي في الأرض أربعين سنة بعد الطوفان ثم ذهب .

قال العلماء: أرسل الله الطوفان [لمضي] ستمائة سنة من عمر نوح ، ولتتمة ألفي سنة ومائتي سنة وست وخمسين سنة من لدن هبوط آدم ، وكان ذلك لثلاث عشرة خلت من آب ، وأقام نوح في السفينة إلى أن غاض الماء ، فلما خرج اتخذ بناحية بقردى من أرض الجزيرة موضعا ، وابتنى هناك قرية سموها ثمانين ، لأنه كان فيها [ ص: 243 ] لكل إنسان معه بيت ، فهي إلى اليوم تسمى سوق ثمانين .

أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك ، أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار ، أخبرنا الحسين بن علي الطناجيري ، [أخبرنا] عمر بن أحمد بن شاهين ، حدثنا موسى بن عبد الله بن يحيى ، قال: حدثني عبد الله بن أبي سعد ، حدثني محمد بن الهيثم بن عدي ، حدثني أبو يعقوب بن سابق ، حدثنا هشيم ، عن الكلبي ، عن ابن صالح ، عن ابن عباس ، قال: كان مجتمع الناس حيث خرجوا من السفينة ببابل ، فنزلوا سوق ثمانين بالجزيرة ، فابتنى كل واحد منهم بيتا ، وكانوا ثمانين رجلا فسمي سوق ثمانين ، ثم ضاقت بهم حتى خرجوا فنزلوا موضع بابل ، وكان طول بابل اثني عشر فرسخا في اثني عشر فرسخا ، وكان سورها عند النيل وبابها عند داوردان ، فمكثوا بها حتى كثروا ، وملكهم يومئذ نمرود بن كنعان بن حام بن نوح ، فلما كفروا بلبل الله ألسنتهم ففرقوا على اثنين وسبعين لسانا ، وفهم الله العربية عمليق ، وأميم ، وطسم بن لوط بن سام ، وعاد وعبيل ابني عوص بن إرم بن سام ، وثمود ، وجديس بن جاثم بن إرم بن سام ، وقنطور بن عابر بن شالخ بن أرفخسد بن سام .

فخرجت عاد وعبيل ، فنزلت عاد الشحر ، ونزلت عبيل يثرب ، ونزلت عماليق صنعاء وما حولها ، ونزلت أميم أبار ومضى بعضهم مع عاد ، ومضت طسم وجديس فنزلوا اليمامة ، ونزلت ثمود الحجر وما والاها .

فهلكت عاد والعماليق بصنعاء ، وتحولت العماليق فنزلت مكة ثم مضى بعضهم إلى يثرب ، ويثرب اسم رجل منهم .

قال ابن شاهين : وحدثني أبي ، حدثنا محمد بن علي ، حدثنا القعنبي ، حدثنا أبو [ ص: 244 ]

ضمرة
، عن مالك بن أنس ، قال: كان الرجل في زمان نوح ينتسب إلى خمسة عشر أبا كلهم حي .

قال العلماء: عاش نوح بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة على خلاف في عدد السنين ، وكان جميع عمر نوح ألف سنة إلا خمسين عاما ، ويقال أكثر ، وإنما ذلك مقدار لبثه في الإنذار والله أعلم .

وروى أبو صالح عن ابن عباس ، قال: ولد نوح ساما وفي ولده بياض وأدمة ، وحاما وفي ولده سواد وبياض قليل ، ويافث وفيهم [الشقرة] والحمرة ، وكنعان وهو الذي غرق ، والعرب تسميه ياما .

قال ابن عباس في قوله تعالى: وجعلنا ذريته هم الباقين ، قال: لم يبق إلا ذرية نوح .

وقال قتادة : الناس كلهم من ذرية نوح .

التالي السابق


الخدمات العلمية