الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 137 ] فصل في الدفن ( ويحفر القبر ويلحد ) لقوله عليه الصلاة والسلام { واللحد لنا والشق لغيرنا } ( ويدخل الميت ) مما يلي القبلة خلافا للشافعي ، فإن عنده يسل سلا لما روي { أنه عليه الصلاة والسلام سل سلا } . ولنا أن جانب القبلة معظم [ ص: 138 ] فيستحب الإدخال منه ، واضطربت الروايات في إدخال النبي عليه الصلاة والسلام

[ ص: 137 ]

التالي السابق


[ ص: 137 ] ( فصل في الدفن )

( قوله ويلحد ) السنة عندنا اللحد إلا أن يكون ضرورة من رخو الأرض فيخاف أن ينهار اللحد فيصار إلى الشق ، بل ذكر لي أن بعض الأرضين من الرمال يسكنها بعض الأعراب لا يتحقق فيها الشق أيضا ، بل يوضع الميت ويهال عليه نفسه .

والحديث المذكور رواه الترمذي عن ابن عباس وفيه عبد الأعلى بن عامر ، قال الترمذي : فيه مقال . ورواه ابن ماجه عن أنس { لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وكان بالمدينة رجل يلحد والآخر يضرح ، فقالوا : نستخير ربنا ونبعث إليهما فأيهما سبق تركناه ، فأرسل إليهما فسبق صاحب اللحد ، فلحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم } وحديث مسلم ظاهر فيه ، وهو ما أخرج " عن سعد بن أبي وقاص أنه قال في مرضه الذي مات فيه الحدوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم " وهو رواية من سعد أنه عليه الصلاة والسلام ألحد .

وروى ابن حبان في صحيحه عن جابر { أنه عليه الصلاة والسلام ألحد ونصب عليه اللبن نصبا ورفع قبره من الأرض نحو شبر } واستحب بعض الصحابة أن يرمس في التراب رمسا ، يروى ذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص . وقال : ليس أحد جنبي أولى بالتراب من الآخر ( قوله ويدخل الميت مما يلي ) وذلك أن توضع الجنازة في جانب القبلة من القبر ويحمل الميت منه فيوضع في اللحد فيكون الآخذ له مستقبل القبلة حال الأخذ ( قوله فإن عنده يسل سلا ) هو بأن يوضع السرير في مؤخر القبر حتى يكون رأس الميت بإزاء موضع قدميه من القبر ، ثم يدخل رأس الميت القبر ويسل كذلك فتكون رجلاه موضع رأسه ، ثم تدخل رجلاه ويسل كذلك ، قد قيل كل منهما والمروي للشافعي الأول قال : أخبرنا الثقة عن عمر بن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس قال { سل رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل رأسه } .

وقال : أخبرنا بعض أصحابنا عن أبي الزناد وربيعة وأبي النضر لا اختلاف بينهم في ذلك { أن النبي صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه } ، وكذلك أبو بكر وعمر وإسناد أبي داود صحيح ، وهو ما أخرج عن أبي إسحاق والسبيعي قال : أوصاني الحارث أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد الخطمي ، فصلى عليه ثم أدخله القبر من قبل رجل القبر وقال : هذا من السنة .

وروي أيضا من طرق ضعيفة ، [ ص: 138 ] قلنا إدخاله عليه الصلاة والسلام مضطرب فيه ، فكما روي ذلك روي خلافه .

أخرج أبو داود في المراسيل عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم هو النخعي ومن قال التيمي فقد وهم ، فإن حمادا إنما يروي عن إبراهيم النخعي ، وصرح به ابن أبي شيبة في مصنفه فقال عن حماد عن إبراهيم النخعي { أن النبي صلى الله عليه وسلم أدخل القبر من قبل القبلة ولم يسل سلا } وزاد ابن أبي شيبة ورفع قبره حتى يعرف وأخرج ابن ماجه في سننه عن أبي سعيد { أنه عليه الصلاة والسلام أخذ من قبل القبلة واستقبل استقبالا } وعلى هذا لا حاجة إلى ما دفع به الاستدلال الأول من أن سله للضرورة لأن القبر في أصل الحائط لأنه عليه الصلاة والسلام دفن في المكان الذي قبض فيه فلا يمكن أخذه من جهة القبلة ، على أنه لم يتوف ملتصقا إلى الحائط بل مستندا إلى عائشة على ما في الصحيحين كانت تقول { مات بين حافنتي وذاقنتي } يقتضي كونه مباعدا من الحائط وإن كان فراشه إلى الحائط لأنه حالة استناده إلى عائشة مستقبل القبلة للقطع بأنه عليه الصلاة والسلام إنما يتوفى مستقبلا فغاية الأمر أن يكون موضع اللحد ملتصقا إلى أصل الجدار ، ومنزل القبر قبلة ، وليس الإدخال من جهة القبلة إلا أن يوضع الميت على سقف اللحد ثم يؤخذ الميت وحينئذ نقول : تعارض ما رواه وما رويناه فتساقطا . ولو ترجح الأول كان للضرورة كما قلنا .

وغاية فعل غيره أنه فعل صحابي ظن السنة ذلك ، وقد وجدنا التشريع المنقول عنه عليه الصلاة والسلام في الحديث المرفوع خلافه ، وكذا عن بعض أكابر الصحابة ، فالأول ما روى الترمذي عن ابن عباس { أنه عليه الصلاة والسلام دخل قبرا ليلا فأسرج له سراج فأخذه من قبل القبلة ، وقال رحمك الله إن كنت لأواها تلاء للقرآن ، وكبر عليه أربعا } وقال : حديث حسن انتهى .

مع أن فيه الحجاج بن أرطاة ومنهال بن خليفة ، وقد اختلفوا فيهما وذلك يحط الحديث عن درجة الصحيح لا الحسن ، وسنذكره في أمر الحجاج بن أرطاة في باب القران إن شاء الله تعالى .

والثاني ما أخرج ابن أبي شيبة " أن عليا كبر على يزيد بن المكفف أربعا وأدخله من قبل القبلة " . وأخرج عن ابن الحنفية " أنه ولى ابن عباس فكبر عليه أربعا وأدخله من قبل القبلة "




الخدمات العلمية